ترنح الجنيه الإسترليني أمس تحت وطأة تجاذبات أوروبية - بريطانية تمحورت حول قرار لندن بدء مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي في آذار (مارس) المقبل. وفيما انخفضت العملة لليوم الثاني على التوالي، وصلت التداعيات إلى الأسهم البريطانية وسندات الخزينة. وسجل الأسترليني مستوى منخفض جديداً، يهدد بتكبيد الأستثمارات بالاسترليني، وفي طليعتها العربية نسبة تراوح بين 20 و25 في المئة (ربع قيمة الاستثمار) من رأس المال الذي جرى تحويله من الدولار. وصعد الأوروبيون في شكل واضح لهجتهم تجاه الحكومة البريطانية الحريصة على مراعاة مصلحة المملكة خلال عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، محذرين من أنهم سيكونون «حازمين تماماً» إزاء «مناوراتها». وأدى هذا التصعيد الكلامي من الجانبين في شأن شروط خروج بريطانيا المعلن من الاتحاد الأوروبي، إلى تراجع خاطف لقيمة العملة البريطانية صباح الجمعة. لكن الجنيه الإسترليني عاد وحسن وضعه ليبلغ 1.238 دولار بعدما تراجع إلى 1.1841 دولار وهو أدنى مستوى له منذ 1985. وبلغت قيمة اليورو 89.3 بنس. وانتقلت عدوى الريبة إلى الدين البريطاني، فباع مستثمرون سنداتهم متسببين بزيادة نسبة الاقتراض. لكن يبدو أن البورصة تقاوم، إذ ارتفع مؤشر بورصة لندن قليلاً في حين لم تسجل بورصتا باريس وفرانكفورت سوى بعض التراجع. وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في ملتقى بباريس: «لا يمكن أن نضع رجلاً في الخارج وأخرى في الداخل». وقال مدعوماً برئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الذي كان إلى جانبه: «في شأن هذه النقطة علينا أن نكون متصلبين، أنا أتابع المناورات». وأضاف يونكر: «إذا بدأنا تفكيك السوق المشتركة من خلال الاستجابة لنزوة كل دولة تقرر الخروج فنحن ندشن بذلك نهاية أوروبا». وجاء هذا التحذير الأوروبي إثر امتعاض أبرز دول الاتحاد من التصريحات المتشنجة الأخيرة لرئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي التي قالت في اختتام مؤتمر حزب المحافظين في برمنغهام وسط إنكلترا الأربعاء: «لن نخرج من الاتحاد الأوروبي... كي نتخلى مجدداً عن التحكم بالهجرة». ووفق تقديرات بنك «اتش اس بي سي» يمكن ان يتراجع الاسترليني الى 1.10 دولار أو اقل حتى نهاية السنة كما سيتساوى سعر صرفه مع العملة الأوروبية الموحدة (يورو). وقال دايفيد بلوم رئيس وحدة الابحاث والقطع الأجنبي في المصرف «يبدو توصل المسؤولين في بريطانيا والأقطار الاوروبية الى تسوية بينها لمسألة خروج بريطانيا من الاتحاد، بعيدة وقد تتم مواجهة بين الطرفين ستنعكس حكماً على العمال وسيكون الاسترليني الأكثر تضررا». وتقول كاتلين بروكس مديرة الابحاث في «سيتي اندكس» انه «عندما يبدأ الاسترليني انحداره من الصعب توقع توقفه عند حد معين، خصوصاً في غياب المعلومات الدقيقة عن المفاوضات البريطانية - الاوروبية التي فضلت ماي ان «تبدأ وتتواصل في الخفاء ما يدفع المتعاملين الى المضاربة على الاسترليني الضعيف». واذا تراجع الاسترليني الى مستوى 1.10 دولار يكون قد خسر نحو 40 سنتاً من سعره قبيل قليل من الاستفتاء، ما يعني ان المستثمرين، خصوصاً العرب الذين ضخوا مبالغ ضخمة من استثماراتهم بالدولار (حجم استثماراتهم الى نحو 130 بليون استرليني)، قد يتحملون خسائر تصل الى 20 - 25 في المئة من قيمتها الأصلية من دون احتساب خسائر العقار الذي يتراجع تدريجاً منذ 23 حزيران (يونيو) الماضي. وستكون قطر الاكثر تضرراً على أساس انها أكبر مستثمر عربي في السوق البريطانية (30 بليون استرليني وفق احصاءات شبه رسمية) خصوصاً في مجال العقار.