«الحياة»، أ ف ب - وجهت الولاياتالمتحدة انتقاداً شديداً لإسرائيل بسبب موافقتها على بناء وحدات استيطانية جديدة على أراض فلسطينية محتلة، واتهمت تل أبيب بالنكث بوعودها، محذرة حليفتها من أنها تعرض مستقبلها كدولة ديموقراطية يهودية للخطر، فيما استهجنت إسرائيل «حدة» لهجة الشجب الأميركي. وبعد أيام على موافقة الرئيس باراك أوباما على حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 38 مليار دولار، وحضوره جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز في القدس، انتقد البيت الأبيض بناء 300 وحدة سكنية على أرض «أقرب إلى الأردن من إسرائيل». وحذر المتحدث باسم الرئاسة الأميركية جوش إرنست الأربعاء من أن هذا القرار يعرض للخطر الاحتمال المتعثر أصلاً بالتوصل إلى سلام في الشرق الأوسط، فضلاً عن خطره على أمن إسرائيل نفسها، معتبراً أن كلام رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بات موضع تساؤل. وأوضح إرنست: «تلقينا ضمانات من الحكومة الإسرائيلية وهي تتناقض مع الإعلان» عن بناء وحدات سكنية استيطانية جديدة. وأضاف: «إذا تكلمنا عن الطريقة التي يتعامل بها الأصدقاء في ما بينهم، فهذا الأمر يشكل مصدر قلق حقيقياً». وتأتي هذه التصريحات الشديدة اللهجة في وقت يقوم البيت الأبيض بمحاولة أخيرة لإحياء مفاوضات السلام قبل مغادرة أوباما منصبه في كانون الثاني (يناير). وكان أوباما في جنازة بيريز الأسبوع الماضي أن «العمل من اجل السلام لم ينته بعد». ويستبعد إطلاق محادثات جدية قريباً، فيما يدرس مسؤولون أميركيون مدى أهمية الاعتماد على خطاب يحدد معالم السلام. وتم تعليق جهود السلام منذ انهارت مبادرة تقودها الولاياتالمتحدة في نيسان/ أبريل 2014. وقد تشكل اللهجة الحالية الأكثر تشدداً حيال المستوطنات تحذيراً لإسرائيل من أن مستقبل علاقاتها في خطر، وقد تمنح واشنطن مزيداً من الصدقية أمام الفلسطينيين وحلفائها العرب. وفي بيان شديد اللهجة، قالت وزارة الخارجية الأميركية أن موافقة إسرائيل على بناء 300 وحدة سكنية في الضفة الغربية «خطوة أخرى نحو ترسيخ واقع الدولة الواحدة والاحتلال الدائم». وقال المتحدث باسم الخارجية مارك تونر أن خطة بناء المستوطنة تقوض آفاق السلام مع الفلسطينيين و «لا تنسجم مطلقاً مع مستقبل دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية». واستهجنت إسرائيل «حدة» لهجة الشجب الأميركي لقرارها بناء 300 وحدة سكنية في مستوطنة «نفوت شيلو» لاستيعاب مستوطني البؤرة الاستيطانية «عمونه» المفترض إخلاؤهم وهدم بؤرتهم حتى موعد أقصاه 25 كانون الأول (ديسمبر) المقبل طبقاً لقرار المحكمة العليا التي أقرت أن البؤرة مقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة. وقال مصدر سياسي رفيع إن إسرائيل لا تذكر بيان شجب أميركي على البناء في المستوطنات «بمثل حدة لهجة البيان الأخير» وأنها اعتادت في السابق على بيانات شجب «روتينية» لم تعقب عليها. ورفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية الانتقادات الأميركية، وردّت في بيان أن الوحدات السكنية التي صادقت الحكومة على إقامتها «لا تشكل مستوطنة جديدة إنما ستُقام في حدود مستوطنة «شيلو» القائمة منذ عشرات السنين «ولن تؤدي إلى تغيير منطقة نفوذها البلدية أو مساحتها الجغرافية». وتابعت أن إسرائيل ملتزمة حل الدولتين، «لكن العقبة الحقيقية أمام تحقيق السلام ليست المستوطنات إنما إصرار الفلسطينيين على عدم الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية بغض النظر عن حدودها». وأدرج عضو المجلس الوزاري الأمني المصغر وزير الإسكان يوآف غالنت البيان الأميركي في إطار «عدم التوافق المعروف بيننا وبين الولاياتالمتحدة في هذه المسألة»، وقال للإذاعة العامة إنه يتحتم على الحكومة توفير السكن في المستوطنات لتلبية احتياجات التكاثر الطبيعي فيها. وكرر الادعاء بأن الاستيطان ليس عقبة أمام مفاوضات في المستقبل، «لكن مع ذلك يجب الأخذ بالاعتبار الانتقادات الأميركية». وردت وزيرة الخارجية سابقاً الشخصية الثانية في تحالف «المعسكر الصهيوني» المعارض تسيبي ليفني على أقواله بالتأكيد على أن «تأهيل بؤرة استيطانية غير شرعية لا يساهم في أمن إسرائيل إنما يمس به». وأضافت أن العالم «يبتعد جراء ذلك من إسرائيل الاستيطانية». وشددت على أن «المعسكر الصهيوني» لا يمكنه أن يكون شريكاً في حكومة كهذه. من جهته ندد رئيس مجلس المستوطنات بقبول الحكومة قرار المحكمة العليا هدم مستوطنة «عمونه» وناشد أقطاب اليمين فيها إلى «إيجاد حل خلاّق» يبقي المستوطنين في «عمونة»، لكن مراقبين استبعدوا تجاوب أقطاب اليمين، خصوصاً أن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان أكد وجوب تنفيذ قرار المحكمة، فيما قادة المستوطنين في الحكومة لم يبدوا معارضة لذلك. وعارضت واشنطن على الدوام سياسة إسرائيل بناء مستوطنات يهودية على أراضي الضفة الغربية التي يفترض أنها جزء من من الدولة الفلسطينية المستقبلية في أي اتفاق سلام يتم التفاوض عليه على أساس «حل الدولتين». وفي الأسابيع الأخيرة، تبنى المسؤولون الأميركيون لهجة أكثر تشدداً حيال حكومة نتانياهو واتهموها بتسريع البرنامج الاستيطاني رغم القلق الدولي. لكن منذ ذلك الوقت، تقول واشنطن أن النشاط الاستيطاني تسارع، إذ إن السلطات الإسرائيلية وافقت مراراً على بناء وحدات سكنية استيطانية جديدة، وهي تعيد ترسيم الحدود الإدارية المحلية وتوافق على مستوطنات عشوائية بأثر رجعي. وقد تشكل الوحدات الثلاثمئة التي أشار إليها البيت الأبيض مستوطنة جديدة في قلب الضفة الغربية، تقريباً في منتصف الطريق بين مدينتي رام الله ونابلس، وفقاً لمنظمة السلام الآن غير الحكومية. وأشارت المنظمة إلى أنه تم تسريع خطط بناء 98 من أصل الوحدات الثلاثمئة حتى الآن. في غضون ذلك، بدأت مجموعة الدول العربية في الأممالمتحدة تحركاً في مجلس الأمن لاختبار موقف الولاياتالمتحدة في شأن تمرير قرار دولي جديد يدين الاستيطان الإسرائيلي، قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، من خلال حشد الدعم لمشروع قرار كانت أعدته فلسطين قبل شهرين يدين الاستيطان الإسرائيلي ويطالب تل أبيب بوقفه فوراً. وقال السفير الفلسطيني في الأممالمتحدة رياض منصور إن «المشاورات ستبدأ الخميس (أمس) بلقاء مع رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي، السفير الروسي فيتالي تشوركين، ثم مع بقية أعضاء مجلس الأمن لا سيما الولاياتالمتحدة، للمطالبة بإصدار قرار يؤكد عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي».