تستعد الكتل الشيعية العراقية المُشارِكة في الانتخابات التشريعية المقبلة، في 31 نيسان (أبريل) الجاري، لفترات سياسية عصيبة، من أجل الظفر بحصة الأسد من الكتلة التصويتية لمحافظات الوسط والجنوب. وهذه هي المرة الأولى، بالنسبة إلى البرلمان العراقي التي يُعلن فيها في شكل غير رسمي، انهيار التحالف الشيعي، وهي الثانية، بعد أن تنافس «الإخوة في المذهب» كخصوم في انتخابات مجالس المحافظات، في نيسان 2013. وينحصر التنافس، في شكل أساسي، بين ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وكتلة المواطن بزعامة عمار الحكيم، وكتلة الأحرار بزعامة مقتدى الصدر. ويأمل الزعماء الثلاثة بانتهاء الاشتباك الحامي على السلطة، في وقت تأمل قوى شيعية بإزاحة رئيس الحكومة الحالي من منصبه، ومنعه من البقاء لولاية ثالثة. وإلى جانب القوى الثلاث الكبيرة، تنتظر أحزاب وحركات شيعية صغيرة، انتهاء الصراع الشيعي - الشيعي، لتعرف مع من تتحالف، وبغرض الحصول على مقاعد وزارية في الحكومة الجديدة. وهي بطبيعة الحال تنتظر الرابح من المعركة. ويبدو أن ترجيح كفة أي فصيل من تلك الفصائل، لن يرتبط بعدد الأصوات التي سيحصدها من الكتلة التصويتية، بل على الأكثر، من تحقيق تحالفات سياسية خارج «الصندوق». ولا تشير التقديرات المتاحة، بحلول الأسبوع الثاني من الدعاية الانتخابية العراقية التي انطلقت في الأول من نيسان الحالي، إلى أن فريقاً شيعياً يملك كفة راجحة على خصمه. تقارب حظوظ وتقارب الحظوظ سيكون، لاحقاً، من أكثر عوامل تأزيم الوضع السياسي، وربما تدفع هذه الفرضية إلى تحولات في نمط الدعاية الانتخابية، كما أنها ستسبب صداعاً للاعبين الإقليميين، خصوصاً إيران، إلى حين تحقيق تسوية شيعية. وتفيد معلومات من مصادر شيعية مطلعة، بأن الإيرانيين اكتشفوا أخيراً صعوبة حماية الشكل القديم للتحالف الشيعي الذي شكل حكومة 2012، نظراً إلى الخلاف العميق على السلطة، والرفض الذي تحرص عليه فصائل شيعية لاستمرار المالكي في الحكومة، ولايةً ثالثة. وبذل الإيرانيون، كما يقول سياسي عراقي مقرب من طهران، جهوداً مضنية من أجل «إطفاء حريق شيعي محتمل»، في إطار وساطة «لم تتوقف حتى الساعة، ولم تصل إلى نتائج محددة، سوى اتفاقات هشة على التهدئة الإعلامية». وترددت أنباء، الشهر الماضي، عن زيارة لقاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، للعراق، لم يُعلن عن نتائجها، لكن مصادر سياسية خاصة أبلغت «الحياة»، أن سليماني تدخل لإزالة التوتر بين المالكي والحكيم، وتمكن من الحصول على «هدنة» بينهما. لكن، سرعان ما انفضّ الاتفاق بينهما، وظهر في حينه حجم الخلاف الحقيقي بين فريقي الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى. وتقول مصادر سياسية، إن الصراع الانتخابي بين الزعيمين، يخفي «حرباً»، تحت الطاولة، للفوز بالحكومة المحلية في البصرة. ويرفض كل من المالكي والحكيم، التنازل للآخر عن السلطة المحلية في المدينة الغنية بالنفط، والاستراتيجية من ناحية موقعها ومنفذها على الخليج. وحذر الحكيم في خطاب علني الشهر الماضي من «التلاعب بوضع المدينة». واهتمت الاتصالات الإيرانية بالحديث المباشر مع فريق الحكيم، وقد يعطي هذا انطباعاً نسبياً عن حجم الأريحية التي يملكها المجلس الأعلى. وعلى رغم أن الحكيم لم يمنح رداً حاسماً في شأن موقفه من إحياء البيت الشيعي، إلا أنه سيناور مع طرفي النزاع الشيعي، المالكي وخصومه. وتقول مصادر مطلعة، إن الحكيم أعطى أوامر لفريقه بالاستمرار في العمل داخل لجان مشتركة مع ائتلاف المالكي، في الوقت الذي أغاظ فريق دولة القانون بزيارة للصدر، الأسبوع الماضي، واتفاق على إدامة التحالف الاستراتيجي مع تياره. وسبق لهذا التحالف أن سبب للمالكي مشكلات كبيرة في مجالس المحافظات. وحصد المالكي، في المجالس المحلية حوالى 97 مقعداً، لكن الحكيم والصدر، اللذين حصدا 78 و46 مقعداً، على التوالي، تحالفا، ليطيحا زعيم ائتلاف دولة القانون، في حكومات عدد من المحافظات. احتمال مرعب ويخشى المالكي تكرار هذا السيناريو، بل إن مقربين منه يؤكدون أن هذا الاحتمال يرعبه ويشكل له «الصداع الأكبر». بيدَ أن الحكيم يلعب على وتر خطر، يتعلق بوجود مؤشرات جدية من الحوزة لدعم مرشحيه، وقد يضطر لدفع ثمن سياسي باهظ، في حال أظهر المرجعية في موقف حرج، كما في تجارب سابقة. لكن المالكي، يلعب بأوراق «احتياط» لتأمين ولايته الثالثة، من بينها تهديد الخصوم بتشكيل حكومة غالبية سياسية. وكان هذا الخيار غير مناسب للوضع العراقي طيلة السنوات الماضية، حتى أن الأميركيين لم يكونوا متقبلين هذه الفكرة. ولا يعرف الموقف الأميركي الراهن هوية الحكم في العراق، بعد الانتخابات المقبلة، سوى أن ديبلوماسيين عراقيين، ينقلون عن نظرائهم في واشنطن، أن البيت الأبيض يشعر بالإنهاك من الملف العراقي، خصوصاً في توقيت يتصاعد فيه الصداع السوري. ووصلت إلى مكتب المالكي تقديرات عما يمكن كتلته تحقيقه في الانتخابات. ووفق تسريبات، فإنه سمع أرقاماً تصل إلى أكثر من 90 مقعداً. ويعتمد فريق المالكي في هذه التقديرات، على ثلاثة عوامل، الجيش والشرطة، الكتلة التصويتية التقليدية، ومكاسب شعبية من معارك الأنبار. لكن المالكي قد لا يحقق نتائج طيبة بين صفوف الشرطة، كما هي الحال، على الأرجح، في الجيش، نظراً إلى أن فصائل سياسية شيعية أخرى لديها حصة في هذا الجهاز، من بينها الصدريون الذين تحرك المالكي لمضايقتهم عبر أوامر نقل، أو عدم إدراجهم على جدول الترقية. وفي ما عدا الكتلة التصويتية التقليدية، فإن المالكي ينتظر أن تحقق معارك الأنبار مكاسب انتخابية، غير أنه يواجه، أخيراً، مشكلات في حسم الميدان، وظهور ملل شيعي من الحرب التي أعادت لهم «الأبناء» جثثاً. ويعول الصدر على جمع خصوم المالكي تحت مظلة تحالف جديد لدخول المنطقة الخضراء بمرشح تسوية، وهذا يعتمد على تسوية مع المجلس الأعلى والسنّة والكرد، وليس أمامه سوى تقديم تنازلات خطرة من أجل إزاحة زعيم حزب الدعوة. لكن الضمانات غير متوافرة، مع إيران وأميركا. لقد حلَّ الصدر هيئة أمناء تياره، وسلم الملف السياسي للقيادي في كتلة الأحرار، كرار الخفاجي الذي عرف عنه قربه من قوى شيعية كبيرة في العراق ولبنان وإيران، وقد يزيد هذا من حجم مناورة الصدر، وأيضاً من تعقيد الصراع الشيعي، خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة. والحال، أن الفصائل الشيعية لن تكون حرة في خياراتها بعد الانتخابات، وقد يكون الصراع الشيعي - الشيعي أحد أسباب إطالة عمر حكومة تصريف الأعمال، وربما فوضى منظمة في الجنوب. وسيكون الصراع المرجح بين الشيعة، بداية تحولات عاصفة، تناقض التصورات التقليدية السابقة التي حصرت أزمة التوافق على السلطة بمشكلات الخلاف السنّي - الشيعي، بل أكثر من ذلك أن السنة سيتحولون إلى بيضة القبان لترجيح كفة فصيل شيعي على فصيل شيعي آخر.