اعتبرت أوساط سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى الرسائل الصادرة أخيراً عن موظفين في البيت الأبيض عشية وصول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس باراك اوباما، «مطمئنة» لجهة عدم توقع «لقاء خلافي» بين الزعيمين. وقالت إن نتانياهو سيسعى الى تخفيف حدة الخلافات مع واشنطن، لكن من دون أن يغلّف مواقفه المتشددة من الملفين الايراني والفلسطيني بكلام منمّق لنيل رضى زعيم البيت الأبيض، إنما سيؤكد مقاربة حكومته بأن المشروع النووي الايراني هو العائق امام التقدم نحو حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي «الذي يكمن حلّه أيضا في دعم دول عربية أخرى للعملية السياسية وفي تطبيعها علاقاتها مع إسرائيل». وأبرزت وسائل الإعلام العبرية أمس الايجاز الذي قدمه مسؤول كبير في البيت الأبيض للصحافيين مساء أول من امس وحمل «رسالة إيجابية» إلى إسرائيل تقول إن «الرئيس الأميركي لا يعتقد أن اللقاء مع نتانياهو يسير نحو اتجاه سيء، إنما يرى فيه استمراراً مباشراً لعشرات السنين من العلاقات الحميمة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل والتعاون في المسائل المختلفة»، مضيفاً أن الاجتماع سيوفر فرصة أولى للرئيس الأميركي لتعميق هذا التعاون. وزاد أن الرئيس يعتبر الاجتماع مهماً جداً. وضمن «رسائل الطمأنة»، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول أميركي كبير قوله إن الرئيس الأميركي سيؤكد لنتانياهو عدم حصول أي تغيير في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل المتعلقة بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ما يعني انه لن يطالب إسرائيل بالانضمام إلى المعاهدة، وسيبقي على التفاهمات الأميركية - الإسرائيلية منذ أربعة عقود القاضية بأن تتبع إسرائيل سياسة التعتيم النووي من دون مساءلتها من واشنطن عن حجم ترسانتها النووية. وكانت إسرائيل فوجئت الأسبوع الماضي بتصريح مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية روز غوتمولر بأن «الولاياتالمتحدة تتوقع من دول تمتلك سلاحا نوويا، مثل إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية، الانضمام إلى معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية»، وهي المرة الأولى التي يتطرق فيها مسؤول أميركي إلى السلاح النووي في إسرائيل. وقال مصدر سياسي رفيع إن الزيارة الحالية لنتانياهو «مكرسة لاستعراض مواقف أولية لا أكثر، وستتكلل بالنجاح من دون شائبة»، مضيفاً أن الاتصالات التي مهدت للاجتماع «كانت ناجعة ومثمرة». وأفادت صحيفة «هآرتس» أمس أن نتانياهو سيعمل من أجل تخفيف حدة التباين بينه وبين الرئيس الأميركي، وسيطلب منه تعزيز التنسيق الأمني - السياسي الذي شهد بحسب أوساط سياسية إسرائيلية، تراجعاً منذ دخول الرئيس الحالي إلى البيت الأبيض. وسيقترح تشكيل «طواقم عمل مشتركة تبلور خريطة طريق جديدة» من أجل التقدم في العملية السياسية مع الفلسطينيين «ووضع استراتيجية مشتركة ومنسقة في الملف الايراني». وأضافت أن الرئيس شمعون بيريز الذي التقى الأسبوع الماضي اوباما في البيت الأبيض نصح نتانياهو قبل سفره بأن «يتفادى بكل ثمن» مواجهة مع الإدارة الأميركية، معتبرا أن أي صدام علني مع واشنطن «سيكون ذا أبعاد كارثية على الأمن القومي لإسرائيل». وتابعت الصحيفة أن نتانياهو سيحاول أيضاً التأثير على مضمون الخطاب الذي سيوجهه الرئيس الأميركي إلى العالم العربي، من القاهرة الشهر المقبل. إلى ذلك، أكدت أوساط رئيس الحكومة الإسرائيلية ان الخلافات في الرأي بينه وبين الرئيس الأميركي هي في الملف الايراني أولاً، إذ تطالب إسرائيل واشنطن بأن تحدد سقفاً زمنياً من ثلاثة أشهر للحوار مع طهران وعدم إلغاء خيار التحرك العسكري في حال فشل الحوار، بينما ترفض واشنطن تحديد الحوار بفترة زمنية بل أبدت غضبها من محاولة إسرائيل إملاء موقفها عليها. وفي هذا السياق، كتبت «هآرتس» أن الرئيس الأميركي سيطالب ضيفه بأن تنسجم إسرائيل مع السياسة الأميركية في هذا الملف، وليس العكس. وفي الملف الفلسطيني، وخلافاً للموقف الأميركي الداعم حل الدولتين والداعي إلى وقف النشاط الاستيطاني طبقاً ل «خريطة الطريق» الدولية، يتمسك نتانياهو ب «السلام الاقتصادي» ويرى أن دعم الاقتصاد الفلسطيني وأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية يجب أن يسبقا أي حديث عن دولة للفلسطينيين، بالإضافة إلى شرط اعتراف الفلسطينيين بأن إسرائيل هي دولة قومية للشعب اليهودي. وتوقع مراقبون إسرائيليون أن يبدي نتانياهو موقفاً مؤيداً ل «تسوية إقليمية» تقوم على عناصر في المبادرة العربية للسلام شرط إخراج البند المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين منها. وأكدت شخصيات بارزة في حزب «ليكود» الحاكم أن نتانياهو لن يعلن في واشنطن التزامه إقامة دولة فلسطينية. وقال وزير النقل يسرائيل كاتس إن «نتانياهو سيعارض إقامة أي دولة فلسطينية مسلحة إلى جانب إسرائيل لأنها ستعرض أمن إسرائيل للخطر». لكن أوساطاً قريبة من نتانياهو توقعت أن يتفادى نتانياهو قول «نعم» أو «لا» صريحة لحل الدولتين، وسيعلن أن المسألة يجب أن تخضع للمفاوضات وأنه يتوقع من الفلسطينيين أن يعترفوا أولاً بإسرائيل دولة قومية لليهود. وأضافت ان نتانياهو لن يلتزم وقف البناء «لسد حاجة التكاثر الطبيعي» في المستوطنات الكبرى التي ضمتها إسرائيل داخل الجدار الفاصل الذي أقامته وتعتبرها جزءا من حدودها في إطار أي تسوية شاملة. أما في قضية البؤر الاستيطانية التي التزمت حكومة إسرائيل عام 2004 تفكيكها، فسيدعي نتانياهو أن مسألة تفكيكها تخضع للمعالجة القانونية، وأن وزير دفاعه ايهود باراك يفاوض قادة المستوطنين بغية التوصل إلى حل معهم.