بعض النجوم أثملته نشوة الشهرة، فوقف معه الزمن عند أمجاد غابرة... وبعضهم ارتاح للأدوار المثالية الطيبة النمطية، فراح يكرر نفسه عاماً بعد عام... و «نجوم» اشتروا لقبهم بصداقة منتج او رشوة صحافة صفراء... ولكن، في المقابل، زمن النجوم النجوم لم ينتهِ... حتى وإن لم يحمل موسم رمضاني حافل بعشرات المسلسلات مثل الموسم الذي نتابع فصوله طوال الشهر الكريم (نحو 146 مسلسلاً عربياً) إلّا قلة من الأسماء التى تحدّت نفسها، كما يُفترض بالممثل أن يفعل، وخرجت من عباءة الأدوار التقليدية، على رغم ان فرص نجاحها محفوفة بالأخطار، مثبتة ان التمثيل يليق بها... وان التجريب قوت الفنان الناجح الذي لا يقف عند حدود او عند نجاح سابق مهما بلغ حجمه. هند صبري في مسلسل «عايزة اتجوز» تكسر القاعدة مجدداً... فعلتها المرة الأولى، مع أول ظهور لها على الشاشة. يومها، بالكاد كانت مراهقة في فيلم «صمت القصور» وعرفت كيف تلفت الأنظار اليها على رغم تجسيدها الدور ذاته مع غاليا لاكروا... كانت القاعدة ان تبرز غاليا، وتنتظر هند سنوات اخرى قبل ان تذوق طعم النجومية. اختفت غالية ورسخت هند قدميها. وفي طريقها كسرت قاعدة ثانية. القاعدة التي ترسخت بوفود التونسيات الى مصر من باب عالم الأغنية. كسرت هند القاعدة ولم تغنِّ... بل تحولت الى ممثلة من الدرجة الأولى، ضاربة القاعدة الثالثة: في أدوارها لم تهتم بأدوار الإغراء التي غالباً ما تسندها السينما المصرية الى التونسيات او اللبنانيات، إنما عرفت كيف تجعل السينمائيين المصريين ينسون كونها تونسية ويسندون اليها الأدوار التي تشتهيها أي ممثلة. اليوم، تكسر هند القاعدة مجدداً بقفزها الى المقلب الآخر، وتُفاجئ الجمهور الذي عرفها من خلال أدوار جدية بل أدوار «مثقفة»، برعت فيها في السينما المصرية: دور كوميدي، أقل ما يمكن ان يقال فيه انه من الأدوار التي تجعل مصير صاحبها كمصير البهلواني الذي يرقص على خيط مشدود في الهواء... فإما السقوط المدوي بانتظاره، وإما التصفيق الحاد... ولا شك في ان هند صبري في المسلسل الرمضاني «عايزة اتجوز» تستحق تصفيقاً طويلاً. فإذا اخذنا في الاعتبار ما يقال دوماً ان اللون الكوميدي هو أصعب الألوان الفنية، بما انه من السهل إبكاء اي كان في المسرح او السينما او التلفزيون، لكنّ الصعوبة كل الصعوبة تكمن في إضحاكه، فإن هند صبري نجحت في تجربتها. وإذا أضفنا ان هند عرفت كيف تجتاز الخيط الفاصل بين الكوميديا والتهريج بعفوية وتلقائية، لا يعود غريباً نجاحها، ولا سيما في الاعتماد على الأسلوب البريختي في المسلسل... وتحديداً من خلال تطبيق نظرية «الجدار الرابع» الذي يشرك الجمهور ويخاطبه مباشرة، ليصبح جزءاً من اللعبة الفنية. طبعاً، مثل هذه النظرية، أسهل تطبيقاً في المسرح حيث الجمهور على تماس مع الممثلين... اما في الدراما التلفزيونية فإن أي مخرج عاقل يُفضل ان يتجاهلها لأن شروط نجاحها تعتمد أولاً وأخيراً على ممثل من الطراز الأول... ممثل يُقنع المشاهد القابع امام الشاشة في منزله بأنه يخاطبه فعلاً، فيزيد على العمل واقعية بدلاً من أن يسلبه إياها في لحظة جمود الفعل الدرامي الذي يترك مكانه لحوار مباشر يغلفه التواطؤ بين الممثل والمشاهد. وواضح ان رامي إمام في تجربته التلفزيونية الأولى، لم يشأ ان يُضاف اسمه الى اللائحة الطويلة من مخرجي السيتكوم المتكاثرين كالفطر. أراد أن يقدم جديداً، يأتي على مستوى رهان هند صبري على كتاب «عايزة أتجوز» (بعد تحويله من مدونة إلكترونية) الذي أضحكها من قلبها، كما تقول، وجعلها تبادر للاتصال بأصحابه لتحويله الى التلفزيون. ومن أفضل من غادة عبدالعال، صاحبة المدونة التي اجتذبت عشرات الألوف، لتحويل النص الى سيناريو لا يبتعد عن أجواء المدونة اولاً، والكتاب ثانياً؟ أجواء تجسد بقالب كوميدي خفيف أزمة الفتيات اللواتي فاتهن قطار الزواج من خلال شخصية «علا» التي شارفت على بلوغ الثلاثين من دون زواج، الأمر الذي يتحوّل الى هاجس لديها، نتابع فصوله يومياً في حلقات منفصلة متصلة، تأسر المشاهد بأداء هند صبري المميز في هذا العالم الجديد عليها كلياً: عالم الكوميديا، وأيضاً عالم التلفزيون، خصوصاً انها المرة الثانية لها في الدراما المصرية بعد تجربة مسلسل «بعد الفراق» قبل سنتين. وهنا أيضاً، كسرت هند صبري القاعدة. فإذا كان الاحتكار الذكوري لأدوار البطولة المطلقة الكوميدية هو السائد في الفنون المصرية... وإذا كانت صورة الممثلة الكوميدية ترسخت في أذهان الجمهور كممثلة قبيحة او سمينة... وإذا كان يشترط على الممثلة الجميلة ان تبالغ في الماكياج او ترتدي ثياباً غير منسقة عند تجسيدها اي دور كوميدي، فإن هند لم تفعل هذا... بل أطلت بكامل تألقها وجمالها معتمدة على كوميديا الموقف وحضورها المحبب، فنجحت في زرع ضحكات على وجوه المشاهدين من داخل الدور لا من خارجه... ما يُنبئ بولادة نجمة كوميدية. ولكن أيضاً بولادة نمط جديد من المسلسلات، وأنماط لامتناهية من أساليب الأداء... وهذا ما يجعل هند صبري، في هذا الموسم التلفزيوني «الأنثوي» بامتياز، تطلّ متميزة حتى عن بنات جنسها، جامعة بين البطولة النسائية والكوميدية والفتنة البصرية، فاتحة باباً ظل عصياً لسنوات. * «ام بي سي 1»، 18 بتوقيت غرينتش.