انخفض عديد القوات الأميركية إلى خمسين ألف جندي مهمتهم تدريب قوات الأمن العراقية لمدة 16 شهراً، إضافة إلى القوات الخاصة التي ستعمل مع نظيرتها العراقية ضد تنظيم «القاعدة». لكن القوات هذه سترحل أيضاًَ بحلول نهاية العام المقبل. وحتى لو كان الوضع الأمني أفضل كثيراً مما كان عليه في ذروة ما يسميه عديدون «الحرب الطائفية»، فالبلد الذي يسلمه الأميركيون إلى مواطنيه بعيد جداً من أن ينعم بالسلام. ويُقتل في العراق كمعدل وسطي اثنا عشر شخصاً في اليوم لأسباب سياسية، بعدما بلغ الرقم المئات عام 2007. إذا استمر النزوع هذا، سيتمكن العراق من النظر إلى المستقبل ببعض الثقة. بيد ان متمردي «القاعدة» تمكنوا من العودة إلى الساحة في الأشهر القليلة الماضية، جاعلين من الشهر الماضي الأكثر دموية منذ عامين. ويقول عدد متزايد من العراقيين انهم كانوا يفضلون لو بقي الأميركيون وقتاً أطول، لمحاربة الارهابيين ولحماية الحدود العراقية. ويكمن في قلب النظام السياسي العراقي عدو اكبر كثيراً من «القاعدة»، هو الخوف. خوف الزعماء من خسارة غنائم توفرها مناصبهم لهم، ومن التعرض لخيانة الحلفاء، ومن ان يُقتلوا فور تركهم الحكومة. وقال مستشار لرئيس الوزراء نوري المالكي «نحن ابناء صدام. كل من في السلطة اليوم كان ضده، بيد أنه شكّل الأسلوب الذي نفكر فيه في السياسة». ويشتبه السنّة في أن حكومة الأكثرية الشيعية تريد سلطة مطلقة على غرار ما كانت للسنة في ظل صدام حسين، ويأبون الوصول الى حل وسط. ويخشى الشيعة استعادة السنةّ السلطة وهم حلفاء صدام الذي اضطهدهم طوال عقود ساعياً إلى محو تأثيرهم. ويعيق انعدام الثقة هذا العراق اكثر من المعوقات الأخرى. ويحول دون قيام تعاون بين الأحزاب وهو ضروري لسير النظام الديموقراطي. وأدلى في الثاني عشر من آذار (مارس) 12 مليون عراقي بأصواتهم في انتخابات برلمانية هادئة عموماً. لكن الحكومة الجديدة لم تتألف بعد. وما من حزب نال أصواتاً كافية ليشكل الحكومة منفرداً وما من زعيم يبدو قادراً على قبول حل وسط يفضي إلى نشوء ائتلاف. قد يكون العراق بلداً ديموقراطياً لكن ديموقراطيته تكاد لا تعمل. وما زال رئيس الوزراء في منصبه ويريد يائساً البقاء فيه. ومنافسه الأبرز هو أياد علاوي الذي فازت لائحته الانتخابية بواحد وتسعين مقعداً في مجلس النواب الجديد المكون من 325 مقعدا، مقابل 89 مقعداً حصلت عليها كتلة المالكي. وفي وسعهما، معاً، تشكيل الحكومة الأكفأ والأكثر استقراراً التي يمكن للعراق الحصول عليها. لكن الطموح الشخصي والضغائن المتبادلة جعلت من تبادلهما الكلام أمراً نادراً منذ الانتخابات. وفي وسع الأحزاب الأصغر أداء دور صانع الملك. والقوة الأهم وراء العرش هي مقتدى الصدر. من دونه يصعب لأي من الأطراف الأخرى تشكيل حكومة. ويختبئ الصدر في إيران خشية اعتقاله او قتله. ويجذب التنافس على النفوذ لاعبين آخرين ظهروا بعد سقوط صدام حسين. الأكثر شهرة من بين هؤلاء هم زعماء القبائل الذين ساعدوا على إنهاء التمرد بتحويل دعمهم من «القاعدة» إلى القوات الحكومة التي تساندها الولاياتالمتحدة وكوفئوا بنيل ما يرقى إلى سلطات غير محدودة في العديد من المناطق الريفية. ويمكن العثور على منظومة أخرى من مراكز القوى قوامها حكام المقاطعات. ويتصرف الزعماء الاكراد في الشمال كمن يدير بلده الخاص. ويسعى بعض الزعماء العراقيون في الجنوب، كما في البصرة والنجف على سبيل المثال، إلى تحقيق مستويات غير مسبوقة من الحكم الذاتي. فيما مدت الدول المجاورة شبكات واسعة من الوكلاء الذين يريدون التأثير في ما يجري. هل في وسع حكومة عراقية هشة التعامل مع هذا العدد من اللاعبين، أم إنها ستنهار في نهاية المطاف وتعود إلى حكم الحزب الواحد؟ أمر واحد أكيد هو أن الجيش الأميركي لن يكون متواجداً في الجوار للتأثير على النتائج. * صحافي، عن «تايمز» البريطانية، 16/8/2010، إعداد حسام عيتاني