هاجم الروائي والقاص عبدالحفيظ الشمري، لجنة التحكيم في جائزة الرواية التي تبناها نادي حائل الأدبي، وذكر أنهم لم يكونوا في موقع المسؤولية الأخلاقية والفنية، التي تؤهلهم للقيام بدور الفحص والتقويم، مشيراً إلى أن بعض الكتاب يسلكون طريق الدعاية السهلة والمبتذلة لأعمالهم، من أجل جعل أنفسهم الأكثر مقروئية. وقال الشمري الذي يعد أحد الأسماء المهمة في جيل الثمانينات في حوار مع «الحياة» ان النقد لا يعرف سوى المجاملات والمديح والتطبيل... وهنا نص الحوار. تمثل مع مجموعة من الأسماء الجيل الأبرز في السرد السعودي، والسؤال هنا يتجه إلى محاولة التعرف على النجاح الجزئي لبعض الأسماء من دون غيرها من جيلكم؟ - بداية لا بد من الذهاب إلى حقيقة المرحلة التي تكونت فيها هذه الاضمامة من كتاب القصة والرواية في السعودية، إذ جاءت البدايات نقية ومتجلية ومدعمة بجهود جيل لا بأس به من الرواد في المجال الثقافي والأدبي والإعلامي والصحافي، فلم يكن في وارد من قدمنا إلى الساحة أن يستثني أحداً على نحو ما فعله الرائعون من أمثال محمد جبر الحربي وعبدالله الصيخان في مجلة «اليمامة»، وسعد الدوسري ونسيم الصمادي في صحيفة «الجزيرة» وصالح الاشقر وصالح الشهوان وسعد الحميدين ومحمد عبدالإله العصار في صحيفة «الرياض»، فهؤلاء بحق حملوا على عاتقهم مهمة خروج جيل مميز من كتاب القصة والقصيدة والرواية، فكانت رؤاهم مجتمعة على الجميع فلم يميزوا واحداً على الآخر في الظهور إلى القارئ. أما النجاح الجزئي لبعض الأسماء في هذه الكوكبة أو الاضمامة التي أشرت إليها في السؤال، فإن ما قد يحسب نجاحاً للبعض هو أنهم ظلوا في أحضان الصحافة واستساغوا أن يكونوا في بؤرة العدسة الصحافية ليس من قبيل استضافة أسماء جديدة وإنما تمجيد لذواتهم، فأعرف أن ما أشرت إلى تميزهم أنهم ظلوا في الصحف التي يعملون فيها يفردون لأنفسهم الصفحات للكتابة عن أعمالهم من دون أن يتوجسوا أو يخشوا فرضية أن يكون هذا من قبيل التلميع الزائف لأنفسهم. فقد كان البعض الآخر يتحرج من أن يكتب عنه سطر واحد في صحيفته التي يعمل فيها ولا يستسيغ أبداً أن يتطفل على الصحف الأخرى للظهور أمام القارئ، بوصفه روائياً منقطع النظير، فالعملية إجمالاً في بعض من حصلوا على هذه الأضواء هي من قبيل الحضور الإعلامي فحسب. قاص وروائي وناقد صحافي إضافة إلى الوظيفة الرسمية. ألا تجد في هذا نوعاً من التأثير في مسيرة إبداعك؟ - سأستثني من قائمة نشاطاتي التي ذكرت فرية (النقد) التي وسمتني بها. فأنا لست منضوياً تحت عباءة هؤلاء الذين يقبع الكثير منهم في المنطقة الحرجة من الخسران والتهاوي، أما صنائعي من دون السبعة وبختي غير ضائع، فهل تريدني أن أترك الوظيفة لأكون على هامش السرد الذي لا يزال يعاني أهله منذ أربعة أو خمسة عقود من التجاهل الرسمي؟ حتى ان ناديه وهو (نادي القصة) قد غاب في مجاهل النسيان. أمر آخر لا مشاحة من ذكره هنا وهو أن يوسف إدريس ويوسف القعيد ومحمد البساطي وحنا مينه ومحمد الماغوط وغابريل غارسيا ماركيز ومبدعون كُثر آخرون عملوا في الصحافة، ولم يغير من عطائهم وحضورهم شيئاً، فالقضية في التوهج والحضور وتقديم المناسب الذي يتقبله القارئ ويجد فيه ما يفيد. تعيش في الرياض منذ فترة طويلة، فهل حصدت الرياض شيئاً من تفاصيل الإبداع عندك؟ - المدينة العاصمة الرياض هي من غيرت خريطة البحث عن الذات لدي في ما يتعلق بحياتي الخاصة وما يخص عملي الإعلامي والمعرفي، فقد كانت بحق نقلة نوعية حررتني من مأزق القرى والمدن الشمالية المحدودة والصغيرة، الا أن القارئ لمطارحات سردياتي وقصصي يجد أنني لم أعنَ بالرياض كمدينة خاصة بي، إنما كان اشتغالي على هاجس المدن بشكل عام، فهي كالقاهرة ودمشق وعمان وعواصم أخرى ينزح الناس إليها بحثاً عن مزيد من التعايش مع الذات، أو طلباً للعيش بصورته المجردة. عملت وتعمل في عدد من المؤسسات الثقافية المحلية، هل ترى أنها الآن ذات شخصيات اعتبارية مستقلة؟ - للأسف على رغم تجربتي التي فاقت ثلاثة عقود ما زلت أبحث عن إجابة متقنة عن هذه المؤسسات الثقافية والإعلامية التي احتضنتني، فلم أجد ما يمكن أن أركن عليه لأقول عنها انها نضجت أو فشلت، فهي تراوح مكانها أو لنقل انها خطوة وراء الأخرى لكن متباعدة لا تستطيع رصد نموها أو تميزها، اما انها تكون ذات شخصية اعتبارية فإنني والحق يقال لم أجد فيها ما يشجع على الاعتقاد الجازم، على رغم سعينا جميعاً في هذه المؤسسات الثقافية لعمل ما هو مناسب. تتوج الأعمال الجيدة بالجوائز، وقد فزت بجائزة القصة القصيرة في مهرجان أبها، ماذا عن الرواية؟ - حيازتي جائزة أبها في مجال القصة القصيرة عام 1422 جاء بتزكية من بعض الجهات التعليمية والثقافية التي قدرت جهدي الإبداعي ولم تشترط تقويماً لأي عمل، وهذا في يقيني أنضج وأسلم لأن التقويم قد تدخل فيه الأهواء والأمزجة كما حدث في جائزة أمير منطقة حائل للرواية، التي عبث فيها البعض وأصبحت مسخاً مشوهاً أربأ بأمير المنطقة أن يقترن اسمه فيها وأن يحوزها مبدع كمحمد الرطيان، لأن القائمين عليها لم يكونوا في موقع المسؤولية الأخلاقية والفنية التي تؤهلهم للقيام بدور الفحص والتقويم، فقد كان دخولي إليها في روايتي «القانوط» بدعوة من رئيس النادي المشرف على ما يقال عنها، الجائزة. كيف تنظر إلى اهتمام النقد السعودي بتجربة جيلك، وتجربتك شخصياً؟ - نهوض التجربة القصصية والروائية وتطورها ونضجها لم يكن للنقد أي دور فيه، ومن قال غير ذلك فهو واهم أو دعي، فقد بنت التجربة القصصية والروائية لدينا ذاتها بذاتها ولم تكن بحاجة إلى النقد الذي لا يعرف سوى المجاملات والمديح والتطبيل، كما أن الإبداع ليس بحاجة إلى مثل هذه النقديات أو تلك الجوائز المتواضعة والمبنية على الشللية والمصالح الشخصية الضيقة. كان للمرأة الساردة نصيب من الإبداع السعودي، فهل تجاوزت المرأة سقف الجرأة بالتصريح باسمها إلى التصريح بهمومها وواقعها؟ - لا بأس أن تدلي القاصة والروائية بدلوها السردي في مضان الإبداع والجماليات السردية، لكن علينا ألا نحتكم إلى بعض التجارب التي تتكئ على النقد والتلميع الزائف، فهناك أعمال حلقت وتميزت ولم يكن للنقد أي دور فيها مثل أعمال رجاء عالم (أقول رجاء عالم) التي تجاوزت حدود المحلية وأصبحت علامة مميزة في إبداعنا السعودي. إشارة إلى روايتك الأخيرة «القانوط»، هل يمكن أن نعد حجم المبيعات دليلاً على نجاح العمل أو فشله؟ - لا بد من الفصل بين نجاح العمل وتوزيعه أو حجم مبيعاته، فالعمل الروائي أو أي عمل إبداعي سيظل كما هو، سواء كانت له مبيعات أو لم يكن فلا ترفع المبيعات من جماليات العمل ولا تحط منه، لأنه في الحاصل الأخير قد كتب ولا يمكن لنا أن نحجبه عن القارئ أو نفرضه عليه. وما قد يسمع عن نفاد الطبعات وإعادة الطباعة هو من قبيل الدعاية لهذا العمل أو ذاك، ولدي مثال على ذلك، فقد صرح البعض في الدورتين السابقتين لمعرض الرياض للكتاب بأن الطبعة الأولى نفدت في أول يومين من العرض وحينما تعود إلى لوائح إدارة المعرض وقوانينه فإنها تحظر على الناشر جلب أكثر من 300 نسخة من أي مطبوعة سيشارك فيها بالمعرض، وأحبابنا يصرحون للاستهلاك الدعائي الذي لا حاجة لنا فيه فقد باع الجميع نسخهم التي أحضرها الناشرون. وهناك من اقتسم مع الناشر الكمية التي حددتها إدارة المعرض، فلماذا هذا العبث والدعاية الرخيصة لبعض الأعمال لا سيما من بعض أهلها. في رواية «القانوط» محاولة النفاذ لفهم الخطاب المتشدد، والتخفي وراء حالة الصرع التي كانت تصيب البطل (سعد الحبي) لتمرير بعض الأفكار، مثل لعبة الأقوياء والضعفاء. هل اكتفيت بهذه الوسيلة؟ وكيف تنظر إلى تجسيد الرواية لواقع المجتمع؟ - رواية «القانوط» دشنت فيها رؤيتي الخاصة، تلك التي لا تعطيني الحق بأن أدعي كمالها أو نجاعتها إنما هي رؤية أردت فيها الوصول إلى عمق المشكلة الاجتماعية التي أحدثها المكان الناشئ. فقد عنيت بسرديات المكان منذ أمد واقتفيت حساسية هذا الخطاب الجمالي عند ثلاثة أساتذة انتهجوا كتابة أسلوب الرواية المكانية، وهم الراحل عبدالرحمن منيف والدكتور تركي الحمد والروائية رجاء عالم، إذ عنوا بالمكان فكنت تواقاً لاقتفاء آثارهم في هذا المجال. وتزيدت عليهم بأن شحذت مدية النقد السردي قليلاً وأوسعت بعض الشخوص تشريحاً، ليس حقداً على هذه الشخصية أو تلك إنما إمعان في تسليط الضوء على ما أشعر إنها قضية تعيشها المدن والعواصم الجديدة. هل ل«العذراء» زوجة سعد الحبي في «القانوط» دلالة على المرأة السعودية؟ وفي أي الزوايا؟ - شخصية «العذراء» في روايتي القانوط وضعتها ضمن دلالات عديدة بعضها قريب وسهل الاصطياد، وبعضها بعيد ربما أشفق على القارئ من تتبع منعرجاته إنما هي محاولة لرسم دور بعض النساء في هذه المدن حينما تصبح في جوقة المنشدين لبعض الترهات، التي نطالعها في الكثير من المواقف الإنسانية في مدن نتوسم فيها أن تكون عصرية وتخلصت من ربقة الخزعبلات على نحو صور السحر والشعوذة وملاحقة بعض القشور والمظاهر.