في الوقت الذي لا يزال المجتمع السعودي بكل أطيافه يخوض في مسائل فقهية ظنية،جاهداً في سبيل تحجيم ما يعانيه من الفتاوى وأقوال العلماء في قضايا خلافية منها كشف الوجه والاختلاط، نجح برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث في منح المبتعثين والمبتعثات مناعة التحرج من الواقع، وأذاب البرنامج الحضاري تحسسهم من تقليدية المجتمع واجتهادات طلبة العلم التي تحجر واسعاً. ويقضي ما يزيد على ألف طالب وطالبة «سعوديين» يومياتهم في جامعات ومعاهد مدينة ليستر من دون تحرج من كشف الوجه،أو تدريس المعلمات للطلاب، متجاهلين كل الصخب المعتمل في وطنهم حول ما يراه البعض من تحريم كشف وجه المرأة والتشدد في منع تدريس الإناث للذكور، مؤكدين أنهم عبروا حرج فتاوى الانغلاق على قنطرة الانفتاح والتعايش مع الآخر وفق الضوابط الشرعية المجمع عليها بين علماء الشرع في العالم الإسلامي. وأوضح المبتعث (س الخالدي) أن غالبية المبتعثين يجدون تعاطفاً من المعلمات في الجامعات والكليات البريطانية، مرجعاً اهتمام المشرفات بالطلبة إلى منهجية علمية وتربوية تقوم على احترام الإنسان، وحفظ حق المبتعث في التعلم والتدريب، لافتاً إلى أنه لم يجد حرجاً في كون مشرفته «أنثى» أو أن بعض زميلات الفصل سعوديات لا يلتزمن بتغطية الوجه، مؤكداً انسجام الطلاب والطالبات في برنامجهم الدراسي وإثبات جدارتهم باقتدار. فيما يرى المبتعث (ف ش) أنه وصل منذ عامين إلى ليستر في معية زوجته، موضحاً أن غالبية الأفكار التي تلجلجت في ذهنه زمناً عن الاختلاط وكشف الوجه ذابت في ظل واقعية المجتمع البريطاني، مشيراً إلى أن التحسس من مسائل خلافية لم يعد وراداً في ذهن غالبية المبتعثين، مشيداً بالمعلمات والمشرفات المؤهلات للتعاطي مع عقلية الرجل الشرقي، نافياً ما يردده البعض من مزاعم عن تجاوزات طاولت المبتعثين أو المبتعثات، واصفاً التعامل في بلاد الغرب بالمنضبط بالقوانين التي تحفظ لكل إنسان حقوقه وتحترم عقيدته وتوجهه. من جانبه، أكد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أطلق مشروعه الرائد للابتعاث لمواكبة التطور العلمي والتقني والإداري الذي يجري حولنا في أنحاء الأرض، لتوفير وتجديد الكفاءات في القطاعين الخاص والعام، لافتاً إلى حفظ حق النقد ورفض التشويه، موضحاً أن بعض الانتقادات التي وُجّهت لبرنامج الابتعاث من طرف بعض الأقلام الصحافية وبعض المثقفين والمختصين تسببت في إيلام أبنائنا وبناتنا، واصفاً إدراج المبتعثين والمبتعثات في خانة المتهمين أو المشبوهين ب «غير اللائق» و«غير المقبول»، مؤكداً أنه من الضروري أن تُخاض تجربة الابتعاث بموقف الطفل الذي وصل إلى الحياة لتوه، كون التفوق العلمي والتميز الإبداعي، لا يتحققان فقط داخل أروقة الجامعة ومعامل المختبرات وقاعات الامتحان، بعيداً عن الاستفادة من التفوق الإنساني، لافتاً إلى أن التفوق الإنساني لا يتحقق إلا حين يكون المبتعث كما هو دون زيف أو أقنعة. ويذهب الكاتب والمبتعث أحمد العرفج إلى أن قرار عودة الابتعاث الخارجي لا يقل شجاعة عن القرارات المفصلية، موضحاً أنه من الطبيعي أن يتوجس المدافعون عن الخصوصية، كونهم لم يدخروا جهدًا طيلة فترة توقف البرنامج في بناء أسوار عالية، تمنع التلاقي مع الآخر، والاستفادة من التجارب الإنسانية، التي سبقتنا إليها الأمم الأخرى. وأرجع العرفج تحفظ البعض من الابتعاث إلى قضايا خلافية منها كشف الوجه والاختلاط، مشيراً إلى أن غالبية التوهمات المتحفظة ذابت حين وقف المبتعثون والمبتعثات على المحك وتحملوا المسؤولية باقتدار، مؤكداً أن الجامعات الغربية تراعي خصوصية المجتمعات، واصفاً برنامج الابتعاث بالحضاري كونه يقدم صورة مشرقة عن مملكة الإنسانية، ويمسح الصورة النمطية عن السعوديين والسعوديات.