لماذا تزداد ظاهرة تعليق إعلانات المسلسلات التلفزيونية وصور الفنانين قبيل شهر رمضان وأثناءه في نقاط الدعاية والإعلان في مختلف مدن وعواصم بلاد الإسلام؟ حتى غدت كأنها جزء من الترغيب في الصوم، بيد أن الظاهرة أثارت فضول المارة الذين استنكروا هذا المسلك في هذا الشهر المبارك، وردود فعل مجموعة من علماء الشريعة. وذكر عضو هيئة كبار العلماء وأستاذ الفقه في جامعة الملك فيصل الدكتور قيس المبارك أن «من الجناية على هذا الشهر الكريم أن نرى خروجاً عن آدابه وأخلاقه، وعن الحكمة من تشريعه سواء في المأكل إسرافاً وتبذيرا، أم في اللهو والانصراف إلى المحرمات، من غناء فاحش وأفلام مبتذلة وغيرها»، مشيراً إلى أن نشر صور الممثلين والممثلات وإعلانات «الأفلام المحرَّمة»، وتعليقها على الجدران في الطرقات معصية، ووقوعها في ساعة العبادة يزيدها قبحاً ويزيد فاعلها إثماً. وأضاف: «نناشد الجميع بالكف عن هذه الأفلام المحرَّمة، ولو كان في شهر الخير، احتراماً لهذا الشهر وإعظاماً لشعائر الله، فلعل الله أن ينقلهم مِن ذُلِّ المعصية إلى عزِّ الطاعة، ولْيتأمل الواحد منهم في سيِّئَتِه ويستاءَ منها، ففي الحديث (مَن سرَّته حسنتُه، وساءته سيِّئَتُه، فهو المؤمن)». وعلى النهج ذاته، استنكر القاضي في وزارة العدل الدكتور عيسى الغيث مثل هذه الأمور في غير رمضان فكيف بهذا الشهر المبارك، «ناهيك عما تحويه تلك المسلسلات من نساء متبرجات، وتشبيه محرم، فإن في مثل هذه الأمور إشغالاً للناس عن هوية رمضان من عبادات واجبة ومستحبة». وقال: «إن أردنا تعريف رمضان هل هو صوم سالب وليل ساهر فحسب، أم صوم يحمل حِكَمة، وليل يحمل قيام، وفيه تصوم القلوب قبل البطون، والجوارح بحواسها وأطرافها، فنتلو القرآن خاشعين، ونقوم الليل فرحين، ونرتقي في سحب الروح مؤمنين، فهلاّ تساءلنا عن ذلك الارتقاء النفسي حال العبادات، والتلذذ بجميع أنواع الطاعات، وكل ما يجب من فعل الأوامر وترك النواهي، لنحقق حقًا الهوية الرمضانية، بعد أن قُلبت الموازين، وضاعت الهوية». وأضاف: «ما يحدث الآن ضياع لهوية رمضان، التي كانت تعني عند السلف دورة مكثفة في التفرغ لأنواع العبادات، وترك ما سواها ولو كان طلب علم، واليوم كما نرى غياب هويتنا الرمضانية حين جاوزنا الحدود في الترفيه، وصار هذا الشهر محطاً لأنظار القنوات التي تتسابق للمزيد من تغييب الهوية لهذا الشهر المبارك، الذي أنزل فيه القرآن، ولو رجعنا للسيرة والمسيرة منذ نبينا المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - وخلفائه الراشدين والقرون المفضلة لأدركنا أننا قلبنا لشهرنا ظهر المجن، وصيرناه مسرحاً للموسوعات العالمية في أنواع الأطعمة والتخمة، ولأشكال الدراما والإنتاج». ونوه إلى أن الإنسان لا بد من أن يتمتع بما لذ وطاب من أنواع المآكل والمشارب، والاطلاع وممارسة الترفيه ضمن الضوابط الشرعية، وقال: «نحن الذين غيبنا الهوية والممارسة السلوكية المفترضة لرمضان، ونحن من دون غيرنا القادرون وبكل سهولة على ردها والمحافظة عليها، فليس غيرنا الخاسر من غيابها، ففي الدنيا جنة ندخلها قبل جنة الآخرة، وهي متعة الطمأنينة القائمة على سعادة التمسك بالهوية».