انسحبت أجواء التهدئة التي سادت الجلسة التشريعية للبرلمان اللبناني أول من أمس على جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أمس برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في المقر الصيفي للرئاسة الأولى في قصر بيت الدين. ولم تسجل المداخلات التي قدمت في الجلسة رداً على طلب وزير الزراعة حسين الحاج حسن (حزب الله) استرداد شهود الزور في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ومحاكمتهم، أي خرق لمفاعيل التفاهم السوري – السعودي في شأن الحفاظ على الاستقرار في لبنان، ما يعني أن الجميع، من دون استثناء، بدأوا يتصرفون على قاعدة أن القمة اللبنانية – السعودية – السورية التي عقدت أخيراً في لبنان وضعت البلد أمام مرحلة جديدة لا بد من الإفادة منها وتوظيف نتائجها لتبديد أجواء الاحتقان وتسهيل التواصل بين الأطراف اللبنانيين بحثاً عن حلول للمشكلات. وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية بأن الاتصالات التمهيدية لجلسة مجلس الوزراء ساهمت في الحفاظ على التهدئة خلافاً لما كان يتوقعه البعض من أن يؤدي إصرار «حزب الله»، من خلال وزيريه محمد فنيش وحسين الحاج حسن، على استرداد شهود الزور ومحاكمتهم أمام القضاء اللبناني بتهمة تلفيق التهم وتضليل التحقيق، الى تسخين الأجواء. وأكدت المصادر أن جميع الوزراء حضروا الى قصر بيت الدين بقرار عدم الدخول في مناكفات أو تبادل الاتهامات. وقالت إن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بالتفاهم مع الرئيس سليمان، نجح في استيعاب الأجواء الضاغطة من خلال تبني المجلس اقتراحه، في خصوص شهود الزور، تكليف وزير العدل إبراهيم نجار متابعة الموضوع، لا سيما على الصعيد القانوني انطلاقاً من مبدأ الفصل بين السلطات، للحصول بحسب الأصول، على ما يتوافر من معلومات ومعطيات للإجابة عن عدد من الأسئلة التي طرحت، على أن ترفع هذه المعلومات الى مجلس الوزراء فور تلقيها. وكان الوزير الحاج حسن أول من أثار مسألة شهود الزور. وقال كما نقل عدد من الوزراء ل «الحياة»: «إننا معنيون بجلاء الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهناك شهود زور ضللوا التحقيق ولفقوا الاتهامات وقدموا معلومات خاطئة وهذا باعتراف التحقيق الدولي في الجريمة والمدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا وكنت سمعت منه كلاماً في هذا الخصوص. في ضوء ما تقدم أطلب إجراء تحقيق لبناني مع شهود الزور، وهم محمد زهير الصديق، هسام هسام، شكيب مراد وعبدالباسط بن عودة». وتدخل الوزير نجار وسأله إذا كان شهود الزور يقتصرون على أسماء الذين ذكرهم، فأجاب الحاج حسن: «هناك ثلاثة أسماء أخرى لا أتذكرها الآن». وتابع الحاج حسن: «وبما أن المحكمة الدولية أعلنت عدم اختصاصها في محاكمة شهود الزور، فإن هذا الأمر يستدعي التدخل من القضاء اللبناني للتحقيق معهم لنعرف من خلال التحقيق من حماهم، ومن غطاهم ومن دفع بهؤلاء الى قول ما قالوه، إنني أطلب موقفاً من الحكومة والقضاء اللبناني صوناً للبلد واستقراره ولمعرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد وهذا يتطلب تحركاً من السلطات السياسية والقضائية لاسترداد شهود الزور ومحاكمتهم». وقال وزير العدل في معرض رده: «لا أجوبة عندي على أسئلة الزميل الحاج حسن ونحن مع مبدأ الفصل بين السلطات ولا نتدخل في شؤون السلطة القضائية التي بيدها هذا الموضوع، لكن لدي كل استعداد لجمع المعلومات والمعطيات حول الموضوع وسأعود بها الى مجلس الوزراء فور تلقيها». وأيد الوزيران فنيش وجبران باسيل ما قاله الحاج حسن فيما تقدم الوزير بطرس حرب بمداخلة أيد فيها أقوال نجار، خصوصاً بالنسبة الى مبدأ الفصل بين السلطات، مشيراً الى أن ملف التحقيق هو الآن بيد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وليس بيد الحكومة أو مجلس الوزراء. وطرح الوزير جان أوغاسبيان مجموعة من الأسئلة تتعلق بمواصفات شهود الزور ومن يحددهم، وهل هناك شيء اسمه شهود الزور قبل بدء جلسات المحكمة؟ كما سأل عن كيفية التأكيد أنهم شهود زور أو معرفة ما إذا كان لهم تأثير أو انعكاس على مجريات التحقيق وعن الجهة التي تنظر في هذه المسألة، لا سيما أن الجميع يعلم بأن القضاء اللبناني رفع يده عن التحقيقات وأقفل الملف وأحاله على التحقيق الدولي وأن الصدّيق مدعى عليه من قبل القضاء بصفته شريكاً في الجريمة وليس كشاهد. وأيد الوزير غازي العريضي تكليف الوزير نجار متابعة قضية شهود الزور والعودة بما يتوافر لديه من معطيات الى مجلس الوزراء، وقال إن القمة الثلاثية رسمت سقفاً للتهدئة ومعالجة كل الأمور بالحوار وكانت سبقت هذه القمة قمة سعودية – سورية قررت التعاطي مع الوضع اللبناني بأقصى درجات التهدئة ومنع الفتنة. وأضاف: «قبل عقد هاتين القمتين كان الحديث في لبنان عن انفجار مقبل وأنه سيتعرض لمشكلات كبرى، لذلك علينا أن نبقى تحت سقف القمة الثلاثية وتوجهاتها لأنها تشكل حماية للبنان، والمسؤولية تقع على الجميع، فإما تدمير بلدنا وإما تثمير القمة الثلاثية، وللآن هناك خطوات ساعدت على تثميرها، لا سيما أن رئيس الحكومة الذي عليه مسؤولية كغيره، هو في ظرف صعب وعلينا أن نقف الى جانبه، خصوصاً أنه لم يقصر عن اتخاذ خطوات إيجابية ومهمة». ورأى العريضي أن الحريري «كان شديد الإيجابية وشجاعاً حين قال في خطابه في مؤتمر تيار «المستقبل» إن رفيق الحريري لن يكون سبباً للفتنة وهذا موقف متقدم نأمل من الجميع ملاقاته ومن غير الجائز بعد الآن العودة الى التخوين واعتماد الخطاب المتشنج لأننا بهذا نعود الى الوراء ونعاكس شبكة الأمان العربية التي أمّنتها لنا القمة الثلاثية». واعتبر موقف «حزب الله» تسليم القرائن التي عرضها الأمين العام السيد حسن نصرالله لاتهام إسرائيل عملاً إيجابياً وأمل بأن يتواصل المناخ الإيجابي ويتعزز. وكانت الكلمة الفصل في هذا المجال، كما تقول المصادر الوزارية، للرئيس الحريري الذي شكر الجميع على حرصهم على معرفة الحقيقة في الجريمة. وقالت إن «الرئيس الحريري كان لكل لبنان ولم يستشهد لوحده ومع رفاقه فقط، وإنما كانت هناك قافلة من الشهداء وهذا يستدعي استمرار البحث عن الحقيقة لأن للبنان مصلحة في ذلك وأن أحكاماً كانت صدرت بحق شهود الزور، بعضهم بتهم اغتيال، وبعضهم الآخر بتهم أخرى، وبعضهم موضوع شبهة وهناك كما قال الوزير نجار قضاء لبناني يتابع هذه المسألة». وتابع الحريري: «أول عمل قامت به المحكمة الدولية كان إطلاق الضباط الأربعة لأن الإثباتات والأدلة ضدهم لم تكن كافية. وزير العدل سيتابع الموضوع مع القضاء لجمع المعطيات وعرضها على مجلس الوزراء». ثم تحدث الرئيس سليمان في هذا الموضوع، فأيد ما قاله الحريري، معتبراً أنه كافٍ، «ولننتظر ما سيعرضه علينا وزير العدل من معطيات». وفي موضوع تسليح الجيش اللبناني أكد الرئيس سليمان أن مساهمة اللبنانيين في تسليح الجيش مشكورة وأن الحكومة كانت تعهدت في بيانها الوزاري بإعداد خطة متكاملة لتسليحه وهذا ما يقوم به مجلس الدفاع الأعلى، والخطة سيعرضها وزير الدفاع فور إعدادها. وطرح من خارج جدول الأعمال تعيين العميد في الجيش اللبناني عدنان محيي الدين مرعب أميناً عاماً لمجلس الدفاع الأعلى خلفاً للواء سعيد عيد الذي أحيل على التقاعد لبلوغه السن القانونية، لكن الوزير باسيل طلب التريث بذريعة أن الاسم عرض عليه قبل 24 ساعة فقط، لكن سليمان تدخل فوافق المجلس على تعيينه.