يتركز تدخل الأميركيين والروس الذين توصلوا الى اتفاق حول هدنة في سورية، في النزاع المتواصل منذ خمس سنوات في عمليات قصف جوي خصوصاً. وفي ما يأتي اوجه التشابه والاختلاف بين التدخل العسكري للقوتين العظميين في سورية: يتدخل الروس لدعم النظام السوري، ورسمياً لمحاربة الجماعات «الإرهابية». لكن موسكو متهمة بقصف كل الجماعات المعارضة للرئيس بشار الأسد، وليس فقط تنظيم «داعش» او «جبهة فتح الشام»، «جبهة النصرة» سابقاً قبل ان تعلن فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة». وسمح الدعم الروسي للنظام باستعادة مناطق غرب البلاد. وسجلت القوات الحكومية بعض المكاسب بمواجهة «داعش»، لا سيما في تدمر. وتهدف قوات التحالف الدولي بقيادة الأميركيين الى مساعدة قوات محلية على السيطرة على مناطق خاضعة للتنظيم المتطرف. وتشمل هذه القوات المحلية خصوصاً المقاتلين الأكراد السوريين والمتحالفين معهم من العرب. وسيطر المقاتلون الأكراد السوريون على مساحات واسعة من الأراضي شمال شرقي البلاد. ودعمت طائرات التحالف الدولي هجوماً للقوات التركية وفصائل عربية مقاتلة في أواخر آب (أغسطس) للسيطرة على شريط من الأرض على طول الحدود التركية - السورية. بدأ تدخل الروس لدعم الحكومة السورية منذ 30 ايلول (سبتمبر) 2015. ولدى الروس قواعد عسكرية في البلاد، أبرزها منشأة بحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية التي تضم صورايخ مضادة للطيران متطورة من طراز اس 400. وتشن الطائرات الروسية ضربات جوية انطلاقاً من حميميم، ولكنها تنطلق من روسيا ايضاً. كما وجهت ضربات بواسطة صواريخ أطلقتها سفن في بحر قزوين والبحر الأبيض المتوسط، او من طريق طائرات انطلقت من ايران. وتوجد قوات روسية على الأرض، بينها قوات خاصة مسؤولة عن توجيه الضربات او مساعدة القوات السورية على استخدام الأسلحة الثقيلة. في حزيران (يونيو)، أشار قانون أقره البرلمان الروسي الى مشاركة نحو 25 ألفاً من الجنود والمدنيين الروس في العمليات العسكرية في سورية منذ بدئها. وقتل حوالى عشرين جندياً روسياً في سورية. في المقابل، توجه الولاياتالمتحدة ضربات خصوصاً من قاعدة انجرليك الجوية في تركيا حيث لديها طائرات هجومية من طراز «ايه- 10» وطائرات من دون طيار من نوع «ريبر». كما يمكنها ايضاً توجيه ضربات من حاملة الطائرات المتمركزة في شكل دائم في الشرق الأوسط او من قواعدها الجوية في الأردن ودول الخليج. ويستخدم الأميركيون مجموعة واسعة من الطائرات في ضرباتهم مثل مقاتلات «اف-16» او قاذفات «بي-1» او «بي-52». ونشرت واشنطن ايضاً قوات خاصة في سورية لتقديم المشورة لقوات سورية الديموقراطية من مقاتلين عرب وأكراد ولتوجيه قصف التحالف الدولي في شكل افضل. وبالتالي، يمكن لما يصل الى 300 جندي من القوات الخاصة الأميركية التدخل في سورية. كما ان لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي ايه» برنامجاً سرياً لمساعدة بعض المجموعات التي تقاتل نظام الرئيس بشار الأسد، ويتضمن اساساً تزويدها بالأسلحة في شكل مباشر او من خلال دول حليفة. ولم يقتل اي جندي أميركي في سورية منذ بدء التدخل. بعد بدء الغارات الروسية، أقام الجيشان الروسي والأميركي خلية لتبادل المعلومات يومياً حول العمليات الجوية الخاصة بكل منهما. ويتعلق ذلك بتجنب اي حادث بين طائراتهما. ويشدد الأميركيون على ان هذا الأمر لا يعني «تعاوناً»، لكنه مجرد تبادل للمعلومات. ويتهم الأميركيون الروس باستخدام الذخائر غير الموجهة ما يوقع قتلى بين المدنيين، في حين انهم يستخدمون قنابل موجهة بالليزر او بنظام تحديد المواقع الذي يسمح بإصابات اكثر دقة. وتشير منظمات غير حكومية الى ان الغارات الروسية كانت دامية اكثر بالنسبة إلى المدنيين من الغارات الأميركية. ويأتي الاتفاق بين الأميركيين والروس لإرساء الهدنة عقب محاولات عدة بذلتها موسكو لإقناع واشنطن بتعاون عسكري اوسع في محاربة المتطرفين. وعلى رغم الخلافات العميقة، يشكل الاتفاق الذي سيليه تعاون عسكري غير مسبوق بين موسكووواشنطن «انتصاراً» للروس، وفق عدد من الخبراء. بينما كانت روسيا تدعو منذ مدة الولاياتالمتحدة للانضمام الى توحيد جهودهما في سورية، كانت واشنطن، حتى ليل الجمعة، ترفض باستمرار المقترحات الروسية. وقال خبير الشؤون السياسية فيودور لوكيانوف لوكالة فرانس برس «انه انتصار لروسيا لأنها مارست ضغوطاً شديدة ليتم التوقيع على هذه النقطة، وقد عملت فترة طويلة للحصول على ذلك». وحققت موسكو الجمعة نجاحاً آخر. فقد وافقت واشنطن على إقناع الفصائل المعارضة بالانفكاك عن المتطرفين الذين يتحالفون معهم خصوصاً في محافظتي حلب وإدلب (شمال غرب)، وذلك كما طلبت موسكومرات عدة. وإذا كان عدوهما المشترك هو «داعش» وجماعات يعتبرها مجلس الأمن الدولي «ارهابية»، تدعم روسياوالولاياتالمتحدة طرفين متعارضين في النزاع السوري حيث تدعم موسكودمشقوواشنطن تحالفاً لفصائل معتدلة. وفي مناسبات عدة، طالبت الولاياتالمتحدة باستقالة الأسد كشرط مسبق لأي خطة سلام. لكن هذا المطلب بات نادراً بعد عام 2013 وتراجع الرئيس الأميركي باراك اوباما عن توجيه ضربات ضد النظام. على رغم المفاوضات في جنيف، لم يتم بحث مصير الرئيس السوري. وقال كيري انه طلب من روسيا ممارسة ضغوط على النظام الذي وافق السبت على اتفاق الهدنة. وأشار لوكيانوف الى «حقيقة ان الحكومة السورية تشارك في شكل غير مباشر في الاتفاق - من خلال الطلب من روسيا ممارسة ضغوط عليها - فإن هذا اعتراف غير مباشر بأن الأسد موجود ولا يمكننا ان نفعل شيئاً بمواجهة ذلك». وتابع: «هذا يؤكد ان تجاوز الأسد امر مستحيل». نقطة اخرى لمصلحة موسكو. في الواقع، فإن اتفاق الهدنة ليس الأول من نوعه بين القوتين العظميين في سوريا. وفي شباط (فبراير)، تم الإعلان عن اتفاق مماثل برعاية موسكووواشنطن وبدعم من الأممالمتحدة، لكنه تعرض لكثير من الانتهاكات في شكل يومي. حتى ان لافروف أقرّ بأن روسيا لا يمكنها أن «تضمن 100 في المئة» التزام جميع الأطراف المتحاربة بهذه الهدنة الجديدة. وقال المحلل الروسي رسلان بوخوف كما نقلت عنه وكالة أنباء تاس، إنه على رغم قبول النظام في دمشق للاتفاق، فإن الأسد «غير قادر على السيطرة في شكل كامل على جميع أنصاره» الذين قد يحاول بعضهم خرق الهدنة.