أضاف مثقفو القاهرة، بدءاً من ليلة أمس، سبباً جديداً لارتياد مقهى «زهرة البستان» الواقع في وسط المدينة. وهذه المرة لن تكون الكتابة الابداعية والنقاش حولها سبباً للعودة الى المقهى، ولمَّ شمل رواده بعدما استطاع «النرد» و«لعبة الطاولة» جمع الغائبين عنه وهو الذي يحضر بقوة في ذاكرة الأجيال الابداعية التي تلت جيل الستينات، وسبق أن سماه الشاعر الراحل أمل دنقل «العمق الاستراتيجي لمقهى ريش». طوال تاريخه استقطب المقهى اسماء مهمة من بينها الراحل عفيفي مطر وبهاء طاهر وعبد المنعم رمضان واحمد طه وابراهيم عبد المجيد وجميل عطية ابراهيم. كما وفد اليه مثقفون عرب من بينهم اللبناني علي حرب، والكويتي طالب الرفاعي، والاردني خيري منصور. وكان أيضاً مركزاً لاصدار مطبوعات دافعت عن «ثقافة الهامش» ومن بينها «الكتابة الاخرى» التي قدمت أعمال الاجيال التي أنزعجت من التحولات العميقة التي أصابت المقهى وغيرت من طبيعة رواده. واليوم يدرك المبدعون المتمسكون بالمقهى انهم في وضع «الاقليات» قياساً الى غالبية وفدت في السنوات العشر الأخيرة ولا تعرف تاريخ المقهى الحافل. لذلك بدأت محاولات لاستعادة الجمهور القديم. ومن بينها مبادرة بدأت أمس، تقوم على تنظيم مسابقة في رمضان من كل عام في شكل دوري عام للتنافس بين المبدعين والمبدعات لنيل لقب «أحسن لاعب طاولة». وهذا العام يبدو الشاعر ابراهيم داود الذي يكتب قصيدة النثر ويرتاد المقهى منذ 25 سنة، مطالباً بالدفاع عن اللقب الذي ناله العام الماضي بعد منافسة شرسة مع شاعر العامية ابراهيم عبد الفتاح. وهي منافسة وجدت تجاوباً على صفحات «فايس بوك» التي أسسها الباحث في العلوم السياسية عبده برماوي لمتابعة فعليات البطولة التي تحمل هذا العام شعاراً جديداً هو «الأولمبياد العالمي للطاولة فى لعبة 31» التي تشتهر بها مقاهي وسط القاهرة. وهذه الدورة تقام تكريماً لاسم المرحوم سعيد عبيد الذى توفي الشهر الماضي. وكان أحد أبرز رواد المقهى وهو مغن شكل في نهاية الثمانينات مع الراحلين محمد جاد الرب وحسن الموجي «جيش التوشيح» الذي وضع على عاتقه استكمال ما بدأه الشيخ امام عيسى في «الغناء الملتزم». ويرى الروائي مكاوي سعيد الذي كان «مقهى زهرة البستان» مكاناً مركزياً في روايته «تغريدة البجعة» التي وصلت الى القائمة القصيرة في جائزة «بوكر» العربية عام ،2007 ان «بطولة الطاولة» ليست الا مبادرة هدفها الحفاظ على طابع المقهى الذي نعتبره «ملاذاً أخيراً». وبطريقته الطريفة يذكر سعيد انه يخرج من البطولة سنوياً في وقت مبكر ليتفرغ للجانب التنظيمي، باعتباره المنسق العام الذي يتولى وضع جدول المسابقة المكون من خمس مجموعات تبدأ منافساتها يومياً عقب الإفطار مباشرة وتستمر الى ساعات الصباح الاولى. ويشير سعيد الى ان دورة هذا العام تكتسب سمة اضافية هدفها كسر احتكار النوع والتجاوب مع محاولات «تمكين المرأة»، اذ تشارك بعض الكاتبات في فعاليات البطولة وكلهن من جمهور المقهى، ومن بينهن سمر ابراهيم وليلى كمال والتشكيلية ومصممة الغرافيك نسرين كشك التي بدأت العمل على ملصفق إعلاني خاص بها. اللافت ان تلك المبادرة كانت حافزاً لمبادرات ابداعية موازية، فالفائز بالبطولة لن ينال كأساً تقليدية وانما يحصل على أعمال ولوحات فنية فالكأس التي ينالها الاول من تصميم شريف عبد البديع أحد ابرز النحاتين الشباب، فما يقدم المصور التشكيلي عمر الفيومي لوحة للفائز بالمركز الثاني.