يكاد يُجمع المهتمون بالشأن السوداني ان الانفصال سيكون خيار الجنوبيين عندما يدلون بأصواتهم في الاستفتاء على تقرير المصير في التاسع من كانون الثاني (يناير) المقبل، تنفيذاً لاتفاق نيافاشا الموقع في 2005 بين «الحركة الشعبية لتحرير السودان» وحكومة الخرطوم. ويُعد بند تقرير المصير حجر الزاوية في هذا الاتفاق، وهو الذي أتاح وقف أطول حرب أهلية في القارة الافريقية ومن ثم التقاسم الشكلي للسلطة بين «الحركة الشعبية» وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، بما أمكن ضمان الاستقرار النسبي في الجنوب منذ 2005. لقد تعايش الجانبان خلال هذه السنوات الماضية، رغم القضايا الكثيرة والمعقدة العالقة بينهما، في ظل رهان كليهما على أن يكون الاستفتاء لمصلحته، أي الوحدة بالنسبة الى الحكم السوداني المركزي والانفصال بالنسبة الى «الحركة الشعبية». ومنذ توقيع اتفاق نيافاشا، لم ينفك الحكم السوداني عن تكرار سعيه الى اعتماد نهج سياسي وتنموي في الجنوب يجعل الوحدة جاذبة، بما يقنع الجنوبيين يوم يدلون بأصواتهم في الاستفتاء ان مصلحتهم في البقاء في سودان موحد. وتقع على الحكم السوداني، في هذا الإطار، مسؤولية حصيلة هذا النهج، سلبية كانت أم إيجابية، لكونه صاحب القرار في تسهيل التوافق أو التعارض. لكن حجم المشكلات التي لم يتمكن شريكا الاتفاق من حلها جعلت هذه الوحدة نابذة، وصولاً الى تشكل القناعة العامة بأن الانفصال سيكون خيار الجنوبيين. وفي هذا الصدد، يُلاحظ ان حكومة الرئيس عمر حسن البشير المنتخب حديثاً لولاية رئاسية جديدة تتعمد تعقيد المفاوضات الضرورية مع «الحركة الشعبية»، والمتعلقة بتوفير أسس إجراء الاستفتاء، خصوصاً تشكيل لجنة الاستفتاء التي عليها أن تضع لوائح المقترعين في الجنوب والشمال ايضاً والاتفاق النهائي على الحدود بين الشمال والجنوب باسثتناء منطقة أبيي التي من المفترض أن تشهد استفتاء خاصاً لتحديد انتمائها، علماً ان هذه المناطق الحدودية تضم في باطنها غالبية الثروة النفطية السودانية. ونظراً الى ضغط الوقت والمهل الضرورية لعمل اللجان المكلفة حل هاتين المسألتين، يُخشى الوصول الى موعد الاستفتاء من دون التمكن من الاتفاق، بما يهدد إمكان إجرائه. وربما لهذه الأسباب تحذر «الحركة الشعبية « من إرجاء الاستفتاء، إذ انها تعتبر ان هذا التأخير قد يكون مقصوداً للتملص من هذا البند الأساسي في اتفاق نيافاشا. ويبدو ان «الحركة» باتت تتعامل مع الوضع وكأن الحكومة المركزية تسعى الى إضعاف نفوذها وعرقلة الاستفتاء في آن. وجاء اتهام حكومة البشير أخيراً بإرسال مساعدات عسكرية الى خصوم الحركة في الجنوب ليعزز هذه القناعة. وليس هذا النهج بعيداً من استراتيجية حكومة البشير التي عملت، منذ توليها السلطة في انقلاب عسكري في حزيران (يونيو) العام 1989، على سياسة شق صفوف الخصوم الداخليين من أجل إضعافهم. وهذا ما حصل في الفترة الماضية عندما رعت الانشقاق في كل من الحزبين الكبيرين «الاتحادي الديموقراطي» ممثل الختمية بزعامة محمد الميرغني و»الامة» ممثل الأنصار بزعامة صادق المهدي. وهذا ما تفعله حالياً في مواجهة متمري دارفور من خلال تشجيع الانشقاقات في الفصائل المتمردة والحوار مع أخرى أقل تمثيلاً شعبياً. بكلام آخر، اعتمد الحكم السوداني سياسة «فرّق تسد»، لكن هذه السياسة التي شهدت بعض النجاح الآني، احياناً، تضع وحدة البلاد أمام امتحان كبير، ليس فقط في الجنوب وإنما ايضاً في دارفور حيث بدأت ترتفع الأصوات المطالبة بحق تقرير المصير.