يوم الأربعاء الفائت، كان يفترض أن تبث الحلقة الأولى من مسلسل تلفزيوني جديد، للمخرج نجدت أنزور. أنزور كان تحدث بعض الشيء، في الصحافة وعلى محطات التلفزة عن المسلسل، وعنوانه «... وما ملكت أيديكم» (وهو واحد من مسلسلين يعرضان له هذا الموسم الرمضاني الجديد). وعدا عن هذا وعن بعض المقتطفات الصحافية المتناثرة، لا يعرف أحد شيئاً، بعد، عن هذا المسلسل. ومع هذا، منذ ما قبل عرض الحلقة الأولى وزع رجل دين معروف، على أجهزة الإعلام، بياناً صاخباً صارخاً غاضباً مزمجراً، يشتم أنزور ويكفره ويهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور، مفيداً في بيانه على أية حال بما يدل على أنه لم ير أياً من حلقات المسلسل، وطبعاً واضح أنه لا يريد أبداً أن يراه. بيانه عنه هو أقرب الى «الحكم قبل المداولة» و «الإدانة على الشبهة» وما يشبه «القتل على الهوية». هو بيان عجيب، ندر أن كان له مثيل في عالم الصراع الطويل بين العقل المتزمت المحافظ، وأهل التلفزة والإبداع في شكل عام. ومع هذا لا نجد أن من مهماتنا هنا أن ندافع عن مسلسل أنزور... بالتحديد لأننا، بدورنا، لم نشاهد به ما يصور ولا ما يقول. بالتالي لا نريد أن نقع في ما وقع فيه بيان السيد الشيخ. فقط ما يهمنا هنا، هو التوقف عند هذه الممارسة «الرقابية» المسبقة التي يبدو أنه لم يعد لها وجود إلا لدينا نحن العرب، ونحن المسلمين. ممارسة تستند الى العنوان كما الى «يقال» و «قيل إن»... وتفتي وتحكم وتدين وربما تحكم بالإعدام أيضاً، من دون أن تقدم دليلاً مقنعاً على «التهمة». هذه المرة - بالنسبة الى قضية أنزور - وكما في مرات سابقة، تأتي الممارسة من رجل دين، وتأتي على شكل حكم ينطلق من الجزء اليسير - هو، على الأرجح عنوان المسلسل، لا أكثر... أو هكذا فهمنا من البيان الهادر المذكور -، ولكن أفلا يشبه ما يفعله رجل الدين هنا، ما يفعله آخرون كثر بالطريقة نفسها؟ وألا يشبه هذا كله ما قاله، قبل أيام، من على برنامج هادر بدوره، في قناة هادرة، وفي معرض نقاش كان يسعى، استثنائياً، كي يكون هادئاً، مثقف وكاتب، حكم على الشعب الأميركي كله بأنه شعب ساذج، وحين سأله محاوره عن دليله على هذا، قال: لقد تلمست هذا لمس اليد وفي أميركا نفسها! «كيف» سئل، فكان جوابه القاطع و «المقنع» إلى أقصى حدود الاقناع: «التقيت مرة بأميركي خلال زيارتي بلاده... فاكتشفت أنه لا يعرف أين تقع سورية... وهل ثمة دليل على سذاجته وسذاجة أميركا كلها... أكثر من هذا الدليل؟»!