الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    منتخب المغرب يستعرض قوته بخماسية في شباك الجابون    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    شولتس يؤكد أن موقف ترامب من أوكرانيا «أكثر تعقيداً» من المتوقع    رتال تختتم مشاركتها كراعٍ ماسي في سيتي سكيب بإطلاق حزمة مشاريع نوعية بقيمة 14 مليار ريال وتوقيع 11 اتفاقية    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    جامعة أم القرى تحصد جائزة أفضل تجربة تعليمية على مستوى المملكة    المملكة تواصل توزيع الكفالات الشهرية على فئة الأيتام في الأردن    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    الذهب يواجه أسوأ أسبوع في 3 سنوات وسط رهانات على تباطؤ تخفيف "الفائدة"    النفط يتجه لتكبد خسارة أسبوعية مع استمرار ضعف الطلب الصيني    جامعة أمّ القرى تحصل على جائزة تجربة العميل التعليمية السعودية    بحضور وزير الخارجية.. اللجنة الوزارية السعودية الفرنسية تجتمع في باريس لتطوير العلا    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    الاعلان عن شكل كأس العالم للأندية الجديد    موقف ريال مدريد من ضم ثنائي منتخب ألمانيا    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    جرائم بلا دماء !    الخرائط الذهنية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    «خدعة» العملاء!    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    لماذا فاز ترمب؟    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    استعادة التنوع الأحيائي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    مقياس سميث للحسد    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناظم السيد في "أرض معزولة بالنوم"
نشر في الحياة يوم 16 - 05 - 2009

الحائط فجأة. ومدخل البناية المبتسم باستمرار. والقساطل التي ترفع الماء بجسمها النحيل. والدرج الذي يعدُّ خطوات الصاعدين. وظلمة الطابق الأول. وخرافة الطابق الأخير. والدورات المبروم كالحنين. والرصيف الذي يستلقي لاهثاً على جانبي الطريق. والناس للناس. والحقد الريفي. ويحكون عن الجدة التي ذهبت بعظامها الى المقبرة. والولد الذي كان يكره الليل ثم صار يعشقه. وظنَّ مرة أن الليل يصعد من الرأس، مثلما الصبح يخرج من العينين. والشجر الذي يهرول كقطيع مجانين. وعزلة الزوايا. ووحشة الممرات. وصراحة السطوح. والصبر في الحنجرة. والخطوة الناقصة. والخطوة المؤجلة. والمشي يكرر القدمين. والقبضة الرخوة في الصدر. والأجسام الثقيلة في المخيلة. والظلال المحروقة على الأرض. والمعجزات في الرأس. والبياض المباغت. والبياض الأبله. والرجل يتقدم ويقع خلفه. الأرض أينما ذهب. والبحر الغريق أكثر من غريق. وجميع الذين يولدون فجأة ويموتون على مهل. وعيناه اللتان تتنقلان في الهواء بلا وجه. ويراه الناس بهما. وتلمعان ببهجة كالأحذية الجديدة. وتموتان مفتوحتين. وتموتان متأخرتين. والخارجتان من الوجه كصرخة.
النسيان ولادة. والجسد ذكرى الآخرين. والمعصية الخضراء. والنقمة التي صارت عضلاً. والأشواك التي تتنزه في الحقل. وتجرح الهواء. والهواء. وتلك التي تحرس جمالها. وجمالها. وحبيبي المهذّب كورقة كلينكس. والأحد السمين كخروف. والليل الذي لا يأتي إلا في الليل. يدخل متعباً وينام على الفور. والبلاد البعيدة حيث الناس يغنّون للعتمة ويفتحون قمصانهم للنهار. ثم يأتي المساء ويسحبهم من أرجلهم: يُجلس الجدة على الطرّاحة، والأب على الكرسي، والأولاد على الرفوف، والضحكة على وبر الحرامات. والكل يأخذ دوره في الكلام. والولد الذي يستمع نسي رجليه في الغابة. ويفكك الأصوات ويركّبها: يعطي الجارة صوت الزواريب، والأم صوت الصقيع، والبدن صوت احتكاك الثياب بالأحلام. ويرسم ما يخطر له: الكلسات رأس حصان، الشجرة صرخة، البيت جندياً، الكلمات ماء في مزراب.
أشياء كثيرة تقع في البيت. منفضة مثلاً. قميص في الخزانة. صابونة في البانيو. ملقط غسيل. أسماء ليس لها أصحاب. أغانٍ وكؤوس. سنوات بكاملها. والسجادة تلهو بنقوشها. والزجاج يحدّق بالداخل المظلم. والطاولة التي لا تجيد إلا الجمباز. والشفقة على كل ما يتحرك. أشياء تقع. لا تنكسر. تبتعد فقط.
أشياء كثيرة تُنسى في البيت. ماء الحنفية. الغاز المشتعل. الهواء في الأذن. روزنامة العام الفائت. اللمبة المضاءة. وسائل الدفاع عن الذات. البراءة التي ظنناها وجهاً. الحائط المطلي بالألم. عدد الأسنان في الفم. لون العينين على المخدة. الذئب الذي يعوي في البطن. الجرح الذي صار تحفة. والوجه الذي يمرُّ مع الوقت في المرآة.
في ذلك الليل المظلم – منذ متى لم يعد الليل مظلماً – كان الشارع ذئباً. الشبان بظهورهم المطمئنة الى الحائط. الكلمات البلهاء لمقاتلين يتنزّهون بثيابهم العسكرية. البناية المعتمة حيث كانت الأرواح تحاول عبثاً أن تعود مرئية. البيت الفسيح والبلاط الكسول. النوافذ التي يطلُّ منها الناس ليختبروا رؤوسهم. الوحشة الأبدية لنباح الكلاب. البراغيث التي تداعب الضوء. وأكياس النفايات بطون متدلية. وأيضاً جارنا الذي يشتري الحديد والألومينيوم والزجاجات الفارغة. وصاحب الدكان برجليه المقطوعتين وزوجته الطويلة يرسل أولاده الى الحياة. والعم الذي كان يصنع أحذية معتقداً أنه يكثر من مشي البشر. كان كل شيء صامتاً. الرصاص ينطلق ولا يصيب أحداً. البحر صريح أكثر من اللزوم. غداً سنذهب الى المدرسة. سنكره المعلمين والزملاء. سنقول: حياتنا ليست شجرة بل نقش. في ذلك الوقت، كنا بلا أسماء لأن أحداً لم يسألنا عنها. وداعاً لكل شيء مرَّ. الانتظار مجرد حجر. من جديد أصافح تلك الوجوه. وجوه جادة ذاهبة الى العمل. وجوه ذاهبة الى المستقبل.
الجار يعلن استيقاظه الباكر بالسعال. الجار ديك الحي. السعال ليس مرضاً كما عرفت لاحقاً. إنه تذكير بأن الحياة ما زالت مقيمة في الطابق الرابع. الأخت تنهض من فراشها وتسقي النباتات. فكرتها: النباتات ليست ماضياً. النباتات انتقام من الوحدة. النباتات أفواه خرساء. تتقدم الشمس بخطى بطيئة. توقف السيارات وتقطع الشارع. النساء يودّعنها بالأسوار. يدخل الليل بالجاكيت السوداء وينام كالمذنب.
--- --- --- --- ---
يعود إلى البيت ويغلق الباب عليه. يخرج من البيت ويغلق الباب عليه أيضاً. في الشارع كان يدندن أغانيَ كثيرة صانعاً منها أغنية واحدة. يجلم بحياة عادية: زوجة وأولاد وكلب يمدّ رأسه من السيارة في النزهات الطويلة. يفكّر في أيدٍ مخترعة. ينظر إلى الطرقات التي تطول خلفه. وبشيء من الارتباك يهتف: المستقبل وراء ظهري.
--- --- --- --- ---
اضغط هنا للاتصال بالمؤلف ناظم السيد
--- --- --- --- ---
* مقتطفات من كتاب "أرض معزولة بالنوم" - رياض الريس للكتب والنشر - 2007 (بيروت)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.