البصرة - رويترز - تزدان جدران المطاعم في البصرة بصور قديمة لقنوات مائية تتدفق في الشوارع الجميلة التي اعتاد العراقيون تسميتها «بندقية الشرق الاوسط». لكن الحاضر لم يعد يمت بصلة إلى ذلك الماضي البهيج. القنوات المائية المتقاطعة أصبحت الآن مجرد برك للمياه الآسنة المليئة بأكوام من القمامة. وقد دمرت الطرق في المدينة التي لا تصل إليها الكهرباء الا ساعات في اليوم، بينما تصل درجات الحرارة في الصيف الى 50 درجة مئوية. وتأتي معظم صادرات العراق النفطية من الحقول المحيطة بالبصرة لكن سكان المدينة يشكون من أنهم لا يستفيدون من ذلك الا قليلاً. وأدت مجموعة من الاتفاقات النفطية وقعتها بغداد في الآونة الاخيرة مع شركات عالمية لتطوير احتياطاتها الضخمة الى حركة كبيرة في المنطقة، حيث تبني شركات النفط وخدمة الحقول قواعد في الصحراء العراقية. وتكافح البصرة لاستيعاب النشاط الكبير الذي أطلقته تلك الاتفاقات النفطية لكن - مثل سائر مدن العراق - ما زال أمامها طريق طويل حتى يكون للقفزة المتوقعة في الايرادات تأثير ملحوظ في الاقتصاد والحياة اليومية للشعب العراقي. وقال منتظر محمد (25 عاماً) وهو خريج جامعي متخصص في علوم الكومبيوتر: «عندما سمعنا أن شركات أجنبية ستأتي للعمل في البصرة قلت لنفسي سأحصل الآن على فرصة لإثبات الذات والحصول على وظيفة كريمة. لكنني اكتشفت بعد ذلك أنني كنت واهماً.» وأضاف محمد الذي يدير مقهى للانترنت في البصرة: «يعلم المسؤولون العراقيون أننا نحلم بالحصول على حياة أفضل بعد اطاحة صدام لذا بدأوا يروّجون لهذه الاحلام بيننا. لكن كل الوعود ليست سوى سراب.» وبعد أكثر من سبع سنوات من اطاحة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان كثير من العراقيين يراهنون على أن تخلصهم الثروة التي قد تجلبها الاتفاقات النفطية من إرث من العنف والفقر بعد سنوات من الصراع الطائفي والتراجع الاقتصادي. ولتحقيق ذلك يحتاج العراق الى تعزيز مستويات الانتاج والتصدير لإعادة إعمار البلاد. وقالت ليلى بينالي، مديرة مركز أبحاث الشرق الاوسط وافريقيا لدى «اي.اتش.اس كمبريدج انرجي ريسيرش»: «تحتاج إلى أن يكون لديك أولا الايرادات وثانياً المؤسسة لإيصال الايرادات الى القطاعات المناسبة والى الشعب. وهذا شيء كافح كثير من الدول المصدرة لتحقيقه.» وأبرزت احتجاجات في الآونة الاخيرة اعتراضاً على انقطاع الكهرباء المتكرر الذي يشل البصرة ومدناً أخرى، معظمها في الجنوب الشيعي الفقير حالات الاحباط التي يعيشها الشعب العراقي وفشل الحكومة في توفير الخدمات الاساسية على رغم الثروة النفطية المرتقبة. وأنهكت البصرة بعد سنوات من الصراع فقد كانت الخط الامامي في الحرب مع ايران في ثمانينات القرن الماضي، ووقعت في الأونة الاخيرة في يد ميليشيات شيعية متناحرة قبل أن تبعدها القوات العراقية المدعومة أميركياً وبريطانياً في 2008. وقال كايل مكينياني، رئيس ادارة الشرق الاوسط في «ارجو»، وهي شركة للاستشارات متخصصة في الاسواق الناشئة: «ستعاني البصرة بعض المتاعب المتزايدة خلال السنوات القليلة المقبلة فليست فيها بنية أساسية، وعملية جلب المعدات من الكويت تتسم بالبيروقراطية وانعدام الشفافية. البصرة ثاني أكبر مدينة في العراق وهي التي تربطه تجارياً مع العالم لكن حتى الآن ليست فها أماكن للإقامة.» وعلى رغم تقادم البنية التحتية في قطاعي الكهرباء والمياه وندرة الرحلات الجوية من والى المدينة، ما زالت البصرة تعج بالمستثمرين ومسؤولي الشركات النفطية وشركات المقاولات والاستشارات الذين يتدفقون على فنادقها القليلة. وتهدف الصفقات النفطية التي وقعها العراق مع شركات عالمية الى تعزيز طاقته الانتاجية من النفط الخام الى 12 مليون برميل يومياً من 2.5 مليون حالياً. وقد يضع ذلك العراق على قدم المساواة مع السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم ويخل بتوازن القوى في المنطقة. وتتحمل شركات النفط وخدمة الحقول عبئاً غير مسبوق. وثمة شكوك في قدرة العراق على تولي العمل في ظل هشاشة الوضع الامني وانتشار الفساد والبيروقراطية. وقال مسؤول في احدى شركات النفط حضر اجتماعا في الآونة الاخيرة مع وزارة النفط في بغداد: «تتطلب هذه العقود آلاف الاطنان من الحديد والاسمنت. ستتدفق المعدات على البلاد.» وأضاف: «لا أعتقد بأنهم يدركون مدى ضخامة ما سيكون عليهم التعامل معه.» ولدى العراق خطط كبيرة لاعادة الاعمار، لكنه يفتقر الى الاموال اللازمة لذلك وسيحتاج الى استثمارات أجنبيه اذا كان يسعى إلى تحقيق أهدافه الطموحة الخاصة بالانتاج. وتمكن رؤية معدات قديمة وخطوط أنابيب متهالكة في حقلي الرميلة والزبير الجنوبيين، وهما من بين عقود التطوير التي منحت لشركات عالمية مثل «بي.بي» و»رويال داتش شل» و»سي.ان.بي.سي» الصينية و»ايني الايطالية». ويحاول مسؤولون ومهندسون في قطاع النفط تسيير العمل بمنشات وخطوط أنابيب عمرها عشرات السنين لمواجهة تراجع معدلات الانتاج والمشاكل الفنية في الحقول.