اتهم العاهل المغربي الملك محمد السادس القوى الاستعمارية بالتورط في «سياسات كارثية» انعكست سلباً على أوضاع الشعوب الأفريقية، وقال في خطاب في مناسبة ذكرى ثورة العرش والشعب لعام 1953، أن «المشاكل التي نعانيها مثل التخلف والفقر والهجرة والحروب والصراعات واليأس والارتماء في أحضان جماعات التطرف والإرهاب، نتاج تلك السياسات التي نهبت خيرات الدول الأفريقية ورهنت قدرات ومستقبل أبنائها وعرقلت مسار التنمية، وزرعت أسباب النزاعات بين دولها». ولفت العاهل المغربي إلى أن ما يزيد الوضع تفاقماً انتشار ظاهرة التطرف والإرهاب «ومحاولة ربطها عن خطأ أو صواب بالمهاجرين، خصوصاً في أوروبا». وحض الجاليات المغربية في المهجر على التشبث بالقيم الدينية في مواجهة الظاهرة الغريبة، و «أن يكونوا دائماً في طليعة المدافعين عن السلم والوئام والعيش المشترك في بلدان إقامتهم». وقال أن هؤلاء الإرهابيين يظنون عن جهل أن ما يقومون به يعتبر جهاداً، متسائلاً «متى كان الجهاد هو قتل الأبرياء؟ هل من المعقول أن يأمر الله الغفور الرحيم شخصاً بتفجير نفسه، أو قتل الأبرياء». وتطرق الملك محمد السادس إلى إشكالات الهجرة، منتقداً بعض المقاربات التي أثبتت فشلها، في مقابل التزام بلاده سياسة واقعية في استقرار ودمج المهاجرين الأفارقة. وقال أن «العالم كله يتكلم عن إشكاليات الهجرة والمآسي الإنسانية التي يقاسيها المهاجرون» من دون تقديم حلول عملية. وأضاف «إننا نتفهم الوضع الصعب الذي يعيشونه، فهم يعانون من تشويه صورة الإسلام، ومن العمليات الإرهابية التي حصدت أرواح العديد منهم»، كما أنهم يعانون من ردود الأفعال ومن الاتهامات الموجهة إليهم من قبل البعض بحكم عقيدتهم، مجدداً إدانته الشديدة لقتل الأبرياء، قائلاً «إن قتل راهب حرام شرعاً، وقتله داخل كنيسة حماقة لا تغتفر، فهو إنسان ورجل دين، وإن لم يكن مسلماً». وأضاف الملك محمد السادس أن الإرهابيين باسم الإسلام «ليسوا مسلمين»، ولا يربطهم بالإسلام إلا الدوافع التي يركبون عليها لتبرير جرائمهم وحماقاتهم، فهم قوم ضالون». وأكد الملك محمد السادس أن الإسلام دين السلم، وأن الجهاد في الإسلام «يخضع لشروط دقيقة، من بينها أنه لا يكون إلا لضرورات دفاعية، ولا يمكن أن يكون من أجل القتل والعدوان، ومن المحرمات قتل النفوس بدعوى الجهاد». وقال العاهل المغربي أن الذين يدعون للقتل والعدوان ويكفرون الناس بغير حق، ويفسرون القرآن والسنة بطريقة تحقق أغراضهم «إنما يكذبون على الله ورسوله»، مشدداً على أن السلوك كفر حقيقي، واتهم هؤلاء بأنهم يشغلون بعض الشباب المسلم، خصوصاً في أوروبا، ويستخدمون جهلهم بالإسلام واللغة العربية» لتمرير رسائلهم الخاطئة ووعودهم الضالة» وتساءل مرة أخرى «هل يقبل العقل السليم أن يكون جزاء الجهاد هو الحصول على عدد من الحور العين؟ وهل يقبل المنطق أن من يستمع إلى الموسيقى ستبلعه الأرض وغيرها من الأكاذيب؟». أردف أن الإرهابيين والمتشددين يستخدمون كل الوسائل لإقناع الشباب بالانضمام إليهم، لضرب المجتمعات المتشبعة بقيم الحرية والانفتاح والتسامح. ورأى أن انتشار الفكر المتطرف يتغذى على مثل هذه النزعات التدميرية» لأن دعاة الإرهاب يعتقدون أنه السبيل إلى الإسلام الصحيح «وعلى هؤلاء أن ينظروا إلى أي حد يتحملون المسؤولية في الجرائم والمآسي الإنسانية التي تقع باسم الإسلام». ودعا العاهل المغربي أتباع الديانات السماوية إلى الوقوف صفاً واحداً «من أجل مواجهة كل أشكال التطرف والكراهية والانغلاق»، مؤكداً أن تاريخ البشرية خير شاهد على أن من المستحيل تحقيق التقدم في أي مجتمع يعاني من التطرف والكراهية» لأنهما السبب الرئيسي لانعدام الأمن والاستقرار»، موضحاً أن الحضارة الإنسانية «حافلة بالنماذج الناجحة التي تؤكد أن التفاعل والتعايش بين الديانات يعطيان مجتمعات حضارية منفتحة تسودها المحبة والوئام والرخاء والازدهار». وأضاف أنه على رغم الأضرار الكبيرة التي خلفها الاستعمار: «نؤمن أن أفريقيا قادرة على النهوض بتنميتها وتغيير مصيرها بنفسها» معتبراً أن قرار بلاده استعادة مكانها في الاتحاد الأفريقي تجسيد لالتزام المغرب مواصلة العمل على نصرة قضايا الشعوب الأفريقية، لأن «مصلحة المغرب من مصلحة أفريقيا، ومصيره لا يمكن أن يكون من دونها، والتقدم - والاستقرار- في نظرنا إما أن يكون مشتركاً أو لا يكون».