يبدو وكأن أبها حازت قصب السبق بين مدن السياحة الداخلية المقبولة، فعلى رغم أنها تشترك مع بقية منافساتها من مدن السعودية في عدم انضباط الأسعار وشح الابتكار في الاستثمار السياحي وتواضع الخدمات المساندة، إلا أنها بقيت قبلة للسياح المحليين، ما تسبب في خلق زحام غير طبيعي عانته المدينة وسكانها ومصطافوها، غير أن عدداً من الأفكار السياحية الرائدة خطفت الأضواء، وأبقت الباب موارباً عن فرص الاستثمار السياحي الكامنة في المدن السعودية وتعطش أهالي المناطق المترامية إلى مثيلاتها. كان شارع الفن حديث الناس ومحل تجمعهم هذه الأيام، فلا تكاد تخلو قائمة مصطاف يقصد مدينة أبها من تضمين هذا الشارع في أعلى هرم تفضيلاته، وما إن يزوره حتى يذهل لجمال تصميمه وبراعة الأنشطة التي تجري على جانبيه، صنوف من المواهب التي طرقت أبواباً مختلفة من الفن احتشدت في هذا الشارع الذي يكسوه الجمال في كل متر منه. يمتد الشارع إلى مسافة تزيد على ۲5۰ متراً، وحوى ۱۰ معارض فنية بجانب المراسم المفتوحة، إلى جانب معرض مغلق يفتتح أسبوعياً ليضم أحد أعمال أشهر الفنانين، إضافة إلى تزيينه بالمظلات الملونة بإضاءات رائعة. وتستمر مدة الفعالية فيه 45 يوماً، واستفاد الكثير من الهواة والمبدعين منه لعرض أعمالهم الفنية على جانبي الطريق، الذي يبدأ بقرية تراثية ومعارض ومراسم فنية مفتوحة، يرتفع في الشارع صوت موسيقى لأحد مشاهير الغناء السعودي، يلهب ذلك خيال وريشة وذائقة الشباب والفنانين جميعاً، ويلقي بشاعرية مصنوعة محلياً على المكان، ويعزز انتماء الفن إلى الأرض التي أعطشها طول الغياب عنه، قبل أن تستعيد شيئاً من وهجه هذا العام في عدد من المناسبات التي انتصرت لنور الإلهام الفني وعبقرية الشعر والرسم والغناء على امتداد البلاد. يمتد الشارع وفي الخلفية «مسرح المفتاحة»، الذي يحتفظ بعبق ماضيه، ويحن إلى أيامه الخوالي يوم كان الفنان السعودي يصافح آذان جمهوره المحلي ويشنف آذانهم بمقطوعاته، ولكن شارع الفن الذي تفرع وأورق على حوافه، ربما يستعيد روحه المكان من جديد كما يقول علي الفلاحي، الذي زار الشارع غير مرة ولا يكاد يمل. المشرف على هذه الفعالية وصاحب الفكرة الفنان عوض آل زارب سعيد بالتفاعل الكبير والروح الفنية التي جذبت الكثير من الهواة والمبدعين. تقدم آل زارب بمشروعه إلى فرع الهيئة العامة للسياحة العام الماضي، ليتم التنسيق لهذه الفعالية الفنية التي لاقت دعماً من فرع الهيئة وتشجيعاً من المهندس محمد العمرة، ونفّذ هذا السيناريو الفني الذي يتيح لعابري السبيل والمارين بالشارع مشاهدة الجماليات الفنية والمشاركة فيها، يحضر كل يوم إلى الشارع ليرعى فكرته التي شبت عن الطوق، وأصبحت حالة فنية واجتماعية تستحق التوقف والاهتمام.