قال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) الآية... في الآونة الأخيرة شهد مجتمعنا حراكاً ثقافياً واجتماعياً أظنه غير منضبط وغير مسبوق، فالكل أصبح مثقفاً حتى نَصّب نفسه مفتياً ووصياً على المجتمع، والكل بمجرد حصوله على شهادة الشريعة، أو لازم شيخاً، أصبح مفتياً من دون تاريخ يشفع له، التراشق بين فئات المجتمع، خصوصاً بين طبقاته المغالية، والمتحررة، والمتشيخة، بات سمة سلبية من سماته. كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر يظن البعض خصوصاً من نذر نفسه – متوهماً - مدافعاً عن المجتمع، خصوصاً المرأة، تحت مسميات براقة لا تعدو كونها مخدرة ومزيفة، أنه يسجل رقماً في سجل تاريخه، يعيش المجتمع حال هيجان تحتاج الى وقفة حازمة من الجهات المسؤولة، يوم أن أطلت فئات ثلاث، تحاول أن تشبع شهواتها بتدميرالمجتمع وزعزعة أركانه، متوهمة ذلك. فئة غلت في الدين وامتطت صهوة الشيطان، فأضلها عن الصراط المستقيم، وحاولت بائسة زرع بذور الفتنة والشقاق، فواجهت صخرة حطمت آمالها، ولم تزل تتعقبها بلا هوادة للقضاء على بكرة أبيها، وهي في زوال لا محالة بتوفيق الله ونصره، كيف لا؟! وقد واجهت رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وكما بلي المجتمع بهؤلاء، بلي بفئة تدعي زوراً أنها في ركب المثقفين، لا رصيد لها ولا سيرة عطرة تشفع لها، غير ما أتاحته لها بعض الصحف التي باعت الأمانة بحفنة دراهم معدودة، فاغتر هؤلاء الكتبة بأنفسهم وحصلوا على شهادات مزورة تدعهم بالباحثين تارة وبالخبراء والمختصين تارة أخرى، طفقوا بطرحهم يوجهون المجتمع ويقودون سفينته، مادة طرحهم التشمت والاستهزاء والسخرية بأهل الدين والطاعة والمشايخ والعلماء الربانيين والاستهزاء بعرقهم ودينهم، ويزعمون أن ذلك من أسباب التخلف والوقوف في وجه التقدم، يستميتون بتبجيل حضارة الغرب، أطروحاتهم كالفتيل الذي ينتظر الاشتعال، باعوا الكلمة بثمن بخس، يهرولون للقفز لمراتب الشهرة بطرق سوقية عقيمة، يحاول البعض منهم التقاط أي إجابة لشيخ في ندوة أو محاضرة يفبركها على هيئة فتوى ليجعلها سبقاً صحافياً، يتناول صاحبها بالاستهزاء والتأليب، ويتناسى أن للفتيا رجالها الذين اختارهم ولي الأمر الذين شابت رؤوسهم، ونحلت أجسامهم، وبلغوا في طلب العلم عتياً، ولكنه أراد أن يجعل من الحبة قبة! وثالثة الأثافي - كما يقال – أن المجتمع بُلي بفئة متشيخة، وجدت الإعلام وسيلة لتحقيق غاياتها، وطمر ماضيها المحفور في ذاكرة التاريخ، عجباً لأولئك الذين كانوا في التسعينات الهجرية أصحاب شطحات، شكلوا عقول مريديهم كما أرادوا، وها هم الآن يترززون في القنوات الفضائية والصحف اليومية، يوزعون الفتاوى بالكمية، كلما طرحوا طرحاً أرادوا منه جدالاً، لا يهدأ! في نظري أن فئة الكتّاب المتحررين الذين قصدتهم في هذا المقال، وفئة المتشيخين الذين أثاروا الجدل في المجتمع أخيراً، هؤلاء يحتاجون الى دروس في الوطنية، وإلى ما احتاجه أصحاب الفئة المتشددة المغالية التي كفرت وفجرت وأرعبت، من تعقب وعقاب، هذه الفئات الثلاث تشترك في هدف واحد لا غير، هو إثارة البلبلة وإغراق سفينة المجتمع السعودي المحافظ، فهذا هو القاسم المشترك بين هذه الفئات، ومع وجودهم جميعاً، فهم يعتبرون، ولله الحمد، قلة مخذولة غير مؤثرة في مجتمع مفطور على التوحيد، شعاره الوحدة والتماسك، مقارنة بالسواد الأعظم من الكتّاب المعتدلين الذين يتصدرون صفحات صحفنا المحلية، والعلماء والمشايخ الوسطيين، مصابيح الدجى، ويبقى الحذر من مخططات هؤلاء الكتبة الجفاة وأولئك المتعولمين، المتشيخين، المتفيقهين، وضرورة تعقبهم وردعهم حفاظاً على الوطن ومكتسباته (وقفوهم فإنهم مسؤولون)، فالكلمة أمانة، كالسهم إذا خرج من الرمية، وكما قال الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز «الكلمة أمانة». [email protected]