أُكمل من حيث توقفت أمس، فاستطلاع عالمي لمؤسسة غالوب أظهر أن الدول الثرية أكثر سعادة من الدول الفقيرة، واستطلاعات سنوية في الولاياتالمتحدة تظهر أن الناس كانوا أقل سعادة في سنوات الأزمات المالية. وهكذا فالجدل حُسِم، والمال يشتري السعادة، ولكن ما هي السعادة؟ قرأت أن السعادة غياب الألم، ما يعني (في بلادنا) أن تسعد عندما يتوقف الشرطي عن ضربك. وقرأت أن السعادة هي الجهل بما يدور حولك، فالجهل راحة، ولكن إذا كان هذا صحيحاً فالعربي أسعد الناس لأن لا أحد يمكن أن يوجد من هو أكثر جهلاً منه. وإذا كان لي من كلمة جد سريعة وسط الهذر، فقد قرأت كل ما وجدت على هامش استطلاع غالوب، بما في ذلك استطلاعات أخرى ودراسات جامعية وحكومية، ووجدت أنها كلها أغفلت سبباً للسعادة نردده نحن ولم يصل علمه الى الغرب. نقول في لبنان «فلاح مِكفي، سلطان مخفي» أي أن الفلاح الذي عنده ما يكفيه سلطان. وأعرف أن المثل موجود في بلدان عربية أخرى، غير أن القناعة ليست مذهباً غربياً، وإنما هي حيلة العاجز مثلنا، أما عندهم فالمذهب هو الجشع والطمع وسرقة أموال الآخرين. ونتحدث عن القناعة، إلا أن الكسل تسمية أصدق. والعربي الذي هبت ريح قوية بما يكفي لتذرية القمح من الزؤان، ثم جاءت صاعقة جوية أحرقت بقايا الحصاد في حقله، بقي جالساً ينتظر زلزالاً يخرج له البطاطا من الأرض. وكان عربي آخر جلس أمام التلفزيون ليل نهار خلال كأس العالم في كرة القدم، وحاولت زوجته اخراجه من المقعد فاقترحت عليه بدلال أن يمشيا خارجاً في ضوء القمر، وهو قال لها أن تذهب وتأخذ الكلب معها. كلهم كانوا أمام التلفزيون، ولاحظ عربي ثالث أن زوجته ضاقت بجلوسه أمام التلفزيون في الصالون، فقرر احتراماً لها أن يشاهد التلفزيون الآخر في غرفة النوم. إذا تجاوزنا الكسل، لخصوصيته العربية، ما هي مقومات السعادة الأخرى؟ كنت قبل سنوات أتابع رسماً كاريكاتورياً يومياً في الصحف الغربية عنوانه «السعادة هي...» وكل يوم سبب آخر للسعادة، أذكر منها «أربع اقدام جنباً الى جنب أمام المدفئة». هذا الرسم توقف، ولم يبق منه سوى مجموعات حفظتها الكتب، غير أنني في بحثي عن أسباب السعادة الأخرى وقعت على ما يعكس تكنولوجيا العصر، وهو موقع الكتروني مفتوح لكل الناس، وقد نقلت صحف أخباره. وقرأت بين أسباب السعادة: - أن ترى أن الطقس أسوأ في بلدان أخرى. - أن تركض وراء الباص أو القطار وتستطيع الصعود اليه. - أن تجد الخبز ساخناً. - أن تذهب لتشتري شيئاً وتجد أن سعره انخفض مع وجود تنزيلات. - أن تفتح الكتاب على صفحة، وتكون بالصدفة الصفحة التي تريدها. - أن تجد فلوساً في جيب بنطلون قديم. - أن ترمي شيئاً في سلة المهملات عن بعد فيسقط فيها فعلاً. لو كان عندي وقت كاف لأرسلت الى الموقع أسبابي الخاصة للسعادة مثل أن يحاكم قادة اسرائيل أمام محكمة جرائم الحرب الدولية ويحكم عليهم، وتعلق عضوية اسرائيل في الأممالمتحدة حتى تتوقف عن ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين. غير أنني أعرف أن هذا من نوع الدخول في الاستحالة، وعندي أسباب أخرى من النوع الممكن، فمن أسباب سعادتي أن أطلب بيتزا في المكتب وتصل الي ساخنة والكولا باردة، لا العكس. ومثله: - أن تقلع رحلتي بالطائرة في الوقت المحدد، وألا يكون السفر من آخر بوابة في مطار هيثرو كله. - أن أربح «اللوتو» من دون أن أشتري تذكرة. - أن أسمع ما يدور حولي، فلا أسأل عن شيء وأرد على شيء مختلف تماماً. - أن أعبر المانش سباحة. - أن أفوز بجائزة نوبل للسلام (مناحيم بيغن فاز بها ما يجعلها متاحة لكل البشر). - أن تحبني عارضات الأزياء «السوبر»، خصوصاً الروسيات منهن. - أن افتح بطيخة بسكين وأجدها حمراء وآخر حلاوة. - أن أهزم أصدقائي في طاولة الزهر. - أن أجد زميلاً من أيام الثانوية وفي رأسي شعر أكثر مما في رأسه (المرأة يسعدها أن تجد صديقة أسمن منها). - أن يتذكر أبنائي عيد ميلادي. [email protected]