العالم مدعو إلى الفرح من خلال الألعاب الأولمبية، التي تفتتح دورتها الصيفية ال31 اليوم في مدينة ريو دي جانيرو، لترسو أخيراً للمرة الأولى في أميركا الجنوبية، فتوقد الشعلة الرمزية بعدما اجتازت 20 ألف كيلومتر وحملها 12 ألف شخص، وقد يتشرّف بإيقادها نجم كرة القدم «المطلق» العريس العجوز بيليه أو بطل التنس المعتزل صاحب الشعبية الكبيرة غوستافو كويرتن. ويأمل المنظمون بأن يتنفسوا الصعداء في إختتام المنافسات الأحد 21 آب (أغسطس) الجاري، وقد تجاوزوا التحديات وما أكثرها وضخوا «تأثيراً مضاداً للإكتئاب»، وهو بمثابة وقت مستقطع وإجازة ولو قصيرة من عواصف سياسية وإدارية وأمنية وصحية ورياضية. فالدورة الأولمبية تنطلق وسط مخاض إزمة إقتصادية شديدة وعاصفة سياسية مستفحلة أقصت الرئيسة ديلما روسيف ومطالب عمالية وإرباك في إستكمال المنشآت وإجتزاء بعضها، وتبدو واحة «مثالية» وسط غول الإرهاب والمخاوف الأمنية وهواجس فيروس «زيكا»، وفضائح المنشطات التي هي نقيض للرياضة ومُثُلها. وعلى رغم ما تقدّم، أنفق 11 بليون يورو لإنجاز الإستضافة، غير أن الإرث المستقبلي يبدو ضبابياً. لكن لغة الطموح الرياضي التفاؤلي تختلف بدءاً من اليوم، لذا أخلي الميدان للمنافسات ولا شيء غيرها. ولأن «المكتوب يُقرأ من عنوانه»، ستحمل حفلة الإفتتاح الملوّنة في ملعب ماراكانا «الأسطوري» تباشير ما تقدّم، ولو أن ملامحه متواضعة قياساً بما قدّم في دورتي «بكين «2008 و»لندن2012». أنجز إستعراضات الإفتتاح الذي سيستمر 4 ساعات ويحضره 80 ألف متفرّج بينهم 45 رئيس دولة وحكومة ويتابعه أكثر من 3 بلايين عبر الأقمار الإصطناعية، البرازيلي فرناندو ميريليش مخرج أفلام «مدينة الله» و»ذا كونستانت غاردنر» و»بلاندنيس». وتقدّر كلفتها ب3 ملايين يورو، أي أقل ب12 مرة من موازنة إفتتاح دورة لندن. وتركّز اللوحات على «إكتشاف العالم ومتابعي الألعاب من مادونا إلى البابا فرانسيس، من بوتين إلى القرية الأوغندية الصغيرة، قوة الإثارة في البرازيل وحب الإستمتاع بالحياة». وتحضر إيقاعات 12 مدرسة للسامبا بقوة، وخصوصاً الأغنية الرسمية للألعاب «الروح والقلب» لمغنيي الراب ثياغوينيو وبروجوتا، إلى جانب ألحان إثنين من رموز الموسيقى الشعبية، جيلبرتو جيل وكايتانو فيلوزو. كما أن عارضة الأزياء السابقة جيزيل بوندشن، التي إعتزلت في عام 2015، ستستعرض على نغمات أغنية «فتاة من ايبانيما» موجّهة «رسالة سلام». ولن تغفل فقرات البرنامج مراحل مميزة في تاريخ البلاد. ويشارك في «ريو 2016» 11360 رياضياً (6222 لاعباً و5138 لاعبة)، رقم قياسي، يمثلون 207 دولة وبعثة سيتنافسون على 306 ميداليات ذهبية في 28 رياضة أولمبية. ومن الضيوف الجدد كوسوفو وجنوب السودان، فيما تشارك الكويت تحت العلم الأولمبي لإيقافها دولياً بسبب «تضارب قوانينها الرياضية مع الميثاق الأولمبي». وللمرة الأولى، شكّل فريق للاجئين طبقاً لمعايير حددتها الإتحادات الدولية، وهو يضم 10 رياضيين بينهم السباحان السوريان يسرى مارديني ورامي أنيس. وخصصت الحكومة البرازيلية 47 ألف شرطي و38 ألف عسكري لضمان أمن حوالى 500 ألف زائر أي ما يساوي ضعفي العدد في لندن قبل 4 أعوام. كما تتعاون مع 55 بلداً في هذا الإطار. وأمل البابا فرنسيس بأن تكون روح الألعاب الاولمبية قادرة على إلهام الجميع وبأن «تدفن الفظاعات». وإعتبر رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ أن الجميع «عاش رحلة مضنية وطويلة حتى وصلنا إلى حيث نحن الآن». وفي ظلّ «المدّ والجزر» بين اللجنة الدولية والوكالة الدولية لمكافحة المنشطات «وادا» حول إستفحال هذه الآفة، لا سيما بعد التنشّط الروسي الممنهج، أعلن باخ أن «اللجنة الدولية تأمل بنظام أكثر قوة ويوفّر مزيداً من الشفافية». وينتظر ألا يتخطى عدد أفراد البعثة الروسية ال280 شخصاً، في ظل حرمان متنشطين لا سيما في ألعاب القوى ورفع الأثقال من المشاركة، بينما يبلغ عدد أفراد بعثة الولاياتالمتحدة 555 رياضية ورياضياً. ويتوقّع أن تتخطى الولاياتالمتحدة حاجز الألف ذهبية في هذه الألعاب، إذ يبلغ رصيدها 976 ذهبية من أصل 2399 ميدالية ملوّنة في 26 مشاركة، وهو الأعلى بين بلدان القوى الرياضية العظمى. في المقابل، تطمح البرازيل إلى إحتلال مركز بين العشرة الأوائل في الترتيب العام، علماً أن في جعبتها 108 ميدايات (23 ذهبية) من 21 مشاركة، وتتطلّع إلى ذهبية كرة القدم الأغلى، التي لم تحرزها في تاريخها، لعلّها تعوّض على أرضها نكسة مونديال عام 2014. ولا شك في أن مشهد ترتيب الميداليات في «ريو 2016» سيختلف كثيراً عما كان عليه في «لندن 2012» في ظل إستبعاد متنشطين أبرزهم حوالى 100 روسي. وبعد حصولها على 24 ذهبية في لندن، ستتوزع الميداليات الروسية المحتملة على باقي المرشحين، خصوصاً الولاياتالمتحدة متصدرة 2012 ب 46 ذهبية والصين الثانية (38). وتتفاوت الحظوظ العربية بين مشاركات رمزية للبعض ومتوسطة وفاعلة لآخرين. وقد توج العرب ب24 ذهبية منذ انطلاق الألعاب، أولها في امستردام 1928، علماً أن رصيدهم العام يبلغ 94 ميدالية. ومن أبرز المرشحين العرب لإحراز ميداليات السباح التونسي أسامة الملولي حامل ذهبيتي 1500 م في «بكين 2008» و10 كلم حرة في «لندن 2012»، مع مواطنته العداءة حبيبة لغريبي التي حصدت ذهبية 3 آلاف م موانع في لندن بعد شطب نتيجة خصمتها الروسية المتنشّطة يوليا زاريبوفا. وتعول الجزائر على العداء توفيق مخلوفي بطل سباق ال1500 م، وقطر على معتز برشم صاحب برونزية الوثب العالي في لندن وبطل الراليات ناصر العطية صاحب برونزية السكيت في الرماية، إضافة إلى منتخب كرة اليد، فيما يبحث المغرب عن تلميع صورته الملطخة بالمنشطات بعد أن اكتفى ببرونزية عبد العاطي إيغيدير في لندن، وآماله معقودة على الفارس الخمسيني عبد الكبير ودار. ويبحث الرامي الكويتي فهيد الديحاني عن ميدالية ثالثة بعد برونزيتي الحفرة المزدوجة في «سيدني 2000» والتراب في «لندن 2012»، ومن وراء الركام يطل السوري مجد الدين غزال حالماً بنقل تألقه الحالي في الوثب العالي إلى الساحة الأولمبية. كما يحلم كل من لاعب الجودو ناصيف الياس والرامية راي باسيل، متصدّرة ترتيب كأس العالم، بخطف ميدالية للبنان بعد غياب 36 عاماً، حين أحرز حسن بشارة برونزية المصارعة اليونانية - الرومانية للوزن الثقيل في «موسكو 1980»، وكانت الميدالية الوحيدة للعرب عامذاك. وكما إختتمت العاب لندن 2012، على وقع خطوات العداء الجامايكي أوساين بولت العملاقة (6 ذهبيات)، وتحطيم السباح الأميركي مايكل فيلبس (18 ذهبية) الأرقام القياسية، يأمل الثنائي المذهل بأن تكون ألعاب ريو نهاية مظفّرة لمسيرتهما.