من التساؤل «هل العرب يكرهون بعضهم بعضاً؟»، الى البحث الشائك في عدد كبير من الأمور والمسائل المسكوت عنها في العالم العربي، سار برنامج «المنتدى» كمن يسير على الأشواك او وسط رمال متحركة. لكنّه، وعلى الأقل، كما يقول معدّه ومقدمه الرئيس التنفيذي للمنتدى الاستراتيجي العربي الدكتور سليمان الهتلان، تمكن من «النفاذ بجلده»، وسط ركام الواقع العربي... وتمكن في طريقه من أن يعطي الحوارات التلفزيونية، الرتيبة عادة، والمتمحورة حول ألسنة الخشب في أحيان كثيرة، نكهة جديدة، واضعاً امام جمهور ازداد عدداً واهتماماً، حلقة بعد حلقة، صوراً للواقع العربي العام... وكأن هذا البرنامج أتى عبر «قناة دبي» ليضيف حجة جديدة الى أولئك المتفائلين الذين يرون ان في إمكان الشاشة الصغيرة ان تكون ذكية ومفيدة ومساهمة في بناء المستقبل العربي... وليس فقط مكاناً للترفيه والحوارات العقيمة والمشاهد الإباحية او الوعظ الذي يبدو دائماً خارجاً عن الزمن. ولكن، هل يمكن ان تلبي الشاشة الصغيرة طموحات برنامج وضع لنفسه اهدافاً كبيرة، اهمها «نشر المعرفة وحرية ابدأء الرأي من خلال الفكر وتطوير القدرات المعرفية والبشرية في المنطقة العربية»؟ «في هذا السؤال يكمن التحدي»، يقول سليمان الهتلان ل «الحياة»، ويضيف: «كان فريق عمل البرنامج واعياً لهذه المسألة. فالهدف أن نصل الى أكبر قطاع من المشاهدين لإشراكهم في حوارات التنمية وقضاياها الشائكة. وفي الوقت ذاته، كنا حريصين على أن نوازن بين أسلوب المنتدى الاستراتيجي في طرح القضايا وآلية الحوار وبين متطلبات التلفزيون. وكنا أمام تحد آخر هو أن الشائع عند كثر من الناس أن المواضيع التنموية والثقافية الجادة ليس لها سوق في التلفزيون. ومع هذا، وبتعاون مثالي مع الزملاء في «فضائية دبي» نجحنا في تقديم مادة تلفزيونية ناقشت 13 موضوعاً حول أبرز إشكالات التنمية في العالم العربي». امام هذا الهدف، لا يسع المشاهد الا ان يسأل عن سقف البرنامج، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار المشاكل العربية - العربية التي تعيق في كثير من الأحيان سبل التنمية. وإذ يشدد الهتلان على حرص البرنامج في الحفاظ على أسلوب المنتدى الاستراتيجي العربي في طرح المواضيع التنموية ومناقشتها بمقدار أكبر من الانفتاح والجدية والجرأة، يقول: «المنتدى الاستراتيجي هو اليوم المنبر الفكري لمؤسسة تعنى بقضايا المعرفة في العالم العربي، وهي مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم. بالتالي عملنا على اختيار مواضيع نثق انها مهمة لمسيرة التنمية العربية، وكان الاختيار مبنياً على اهتمامات المؤسسة وبعض منجزاتها مثل تقرير المعرفة العربي الذي أطلق خلال دورة المنتدى الاستراتيجي العربي في تشرين الأول (أكتوبر) 2009 وبحث في أبرز عوائق ومشكلات المعرفة في العالم العربي. وبدعم وتوجيهات مؤسس المنتدى الاستراتيجي العربي، أخذ المنتدى على عاتقة وعداً ألا يجمّل أو يجامل الواقع». ولكن، ما هي في تصور الهتلان معوقات التنمية العربية؟ وما الذي يمكن للتلفزيون ان يفعله في هذا المجال؟ «معوقات التنمية في العالم العربي كثيرة وشديدة التعقيد. ولا يمكن لبرنامج تلفزيوني واحد، مهما حقق من نجاح، أن يغطيها. لكننا في «المنتدى» حاولنا نشر وعي، نعتقد أنه ضروري، ببعض مشكلات التنمية في المنطقة. إحدى أبرز تلك المشكلات هي غياب مناخ يسمح بحرية حقيقية للتفكير والتعبير. وخصصنا حلقة حول علاقة التنمية بحرية التفكير، وحلقات تعنى بمناخات الإبداع والابتكار في العالم العربي، وأخرى لتطوير التعليم وقضايا الطاقة البديلة والمرأة والتنمية وعلاقة العرب بعضهم ببعض حملت عنوان «هل يكره العرب بعضهم بعضاً؟» وغيرها». هذه البرامج الموجهة أصلاً الى الشباب، هل لها حقاً جمهور شاب يمكنه انتظار عرضها لبناء استراتيجيات انطلاقاً منها؟ وما هي ردود الفعل التي رصدها البرنامج في هذا الإطار؟ «ما زلت أعتقد أن وسائل الإعلام يمكنها أن تغري متابعيها، بخاصة الشباب لمتابعة مثل هذا النوع من البرامج الجادة جداً»، يجيب الهتلان. «سيكون من الظلم أن نعمم على كل شباب المنطقة بأنهم لا يعبأون بقضايا جدية مثل قضايا التنمية والسياسة والمعرفة. التلفزيون يستطيع أن يصنع اهتمامات الناس. وهناك نظرية لدى دارسي الإعلام، وهي نظرية The Agenda Setting (وضع الأجندة) ومعناها أن الإعلام يستطيع ترتيب الأولويات أو اهتمامات الناس بتركيزه على مواضيع معينة. من هنا، يحمل القرار بتسجيل حلقات «المنتدى» في الجامعة الأميركية بدبي رسالة هدفها إشراك الشباب العربي في حوارات التنمية. ونأمل بأن يكون «المنتدى» قد حقق حضوراً مناسباً في أوساط الشباب في ظل هيمنة برامج الترفيه في التلفزيون العربي وفي ظل واقع «تقني» جديد بدأ تدريجياً يسحب البساط من تحت التلفزيون لمصلحة الإنترنت!». بعد بث الحلقة الأخيرة من «المنتدى» الأسبوع الماضي، ما هي الخطوة المقبلة؟ وهل هناك نية لتسجيل حلقات جديدة؟ يجيب الهتلان: «نتحدث الآن مع الزملاء في «فضائية دبي» عن إمكان تسجيل حلقات جديدة للدورة الثانية من البرنامج. لكننا نريد أولاً أن ندرس التجربة الأولى لهذا المشروع للاستفادة منها في الدورات المقبلة. هناك أفكار تطويرية مهمة لعلها تتحقق قريباً. الجيد أن تجربة التعاون بين المنتدى الاستراتيجي العربي و«قناة دبي»، عبر «المنتدى»، كانت مثالية. كنا نعمل كفريق واحد. وكان الزملاء من «تلفزيون دبي» في قمة المهنية والإيجابية في التعامل. وفعلاً لا أملك من كلمات التقدير ما يكفي لشكرهم». وفي الختام، يحرص الهتلان على شكر كل من ساهم في نجاح البرنامج، ويقول: «خلف الكواليس، هناك فريق عمل يستحق كل فرد فيه بطاقة شكر وتقدير. من هؤلاء منتجة البرنامج مزنة السركال من «مؤسسة دبي للإعلام»، ومن فريق الإعداد فاطمة الشويهي من فريق عمل «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم»، وهما عندي وعند كثر ممن عملوا معهما، دليل جديد على أن في الإمارات والخليج قدرات إعلامية شابة ستكون في قمة العطاء والإبداع متى أعطيت فرصة».