كان آخر ما يتوقعه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، أن تتحول ذكرى عامين على حرب غزة «الجرف الصامد»، الى حرب داخلية ضده، حتى من قبل وزراء حكومته من اليمين واليمين المتطرف، فضلاً عن الانتقادات الواسعة في الإعلام والتي بلغت حد المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في اخفاقاتها. فاضطر لخوض معركة للدفاع عن نفسه ليمنع تفاقم الانتقادات ويدير حرباً ضد فكرة تشكيل لجنة التحقيق. فاستدعى المراسلين العسكريين والسياسيين وشرح لهم انجازاته خلال فترة رئاسته الحكومة الإسرائيلية، وحاول إقناعهم بأنها انتهت بانتصار اسرائيلي ساحق ردع «حماس» عن إطلاق الصواريخ. هذه القضية انفجرت في وجه نتانياهو، في وقت تتسع فيه التحقيقات معه في الشرطة وملف الرشاوى المالية، التي حصل عليها هو وعائلته، والتي جعلت وزيرة القضاء في حكومته، أييلت شكيد، لا تستبعد أن يتم التحقيق معه. لكن يبدو أن الفشل في الحرب أخطر في هذه المرحلة، خصوصاً أن ما كشف من معلومات عن تقرير داخلي لمراقب الدولة، يوسف شبيرا، يتحدث بوضوح تام عن اخفاقات للحكومة. وقد انطلقت حملة شعبية متصاعدة ضده، يقودها أبناء عائلات الجنديين المحتجزين في غزة وذوي 32 جندياً سقطوا في تلك الحرب. كلهم يطالبون بلجنة تحقيق. قبل خوض الإسرائيليين في النقاش حول استخلاص العبر من حرب غزة، خرج الجيش الإسرائيلي بإعلان عن إجراء تدريبات، غير مسبوقة، حول سبل إخلاء مدن في الجنوب، خشية حرب مع غزة، والشمال، خشية حرب مع لبنان. وتزامنت هذه التدريبات مع الكشف عن قدرات «حماس» في استمرار حفر الانفاق وتعزيز قدراتها العسكرية ايضاً. وخلال هذه الأيام كانت جرافات الجيش الإسرائيلي تقوم بأعمال تمشيط على طول المناطق المحاذية للسياج الحدودي مع غزة، بعد تقارير تشير الى حفر «حماس» أنفاقاً عدة تصل الى إسرائيل. ومشروع مواجهة الأنفاق، الذي يشكل أكبر تحد اليوم للجيش الإسرائيلي، وشكل أكبر إخفاق في حرب «الجرف الصامد»، يتطلب المزيد من الموازنات والجهود لضمان امن الإسرائيليين. رئيس أركان الجيش، غادي ايزنكوط، حاول تهدئة الجمهور، القلق، بإعلانه أن جهاز الأمن وضع خطة شاملة للتخفيف قدر الإمكان من خطر الأنفاق وخصص مبلغ 1.2 بليون شيكل، للجهود المبذولة للتوصل الى حل لهذا التهديد ومبلغ 2.7 بليون شيكل لإقامة جدار وعائق جديدين، بهدف سد الطريق في شكل فاعل أمام الأنفاق على حدود غزة، مقابل مواقع المراقبة العسكرية الإسرائيلية، على مسافة حوالى 300 متر في عمق الأراضي الفلسطينية. أخطار لجنة التحقيق تكمن نقطة ضعف نتانياهو اليوم في وجود افيغدور ليبرمان في حكومته. فهناك اختلاف في شأن «حماس»، عموماً، و «الجرف الصامد»، خصوصاً، عند ليبرمان. ففي حينه كان ليبرمان وزيراً للخارجية واليوم ليبرمان هو وزير دفاع. سبق وهدد ليبرمان «حماس» وقيادة الحركة وتوعد بأن اية مواجهة مقبلة ستنتهي بنصر جارف لإسرائيل. ليبرمان يبدو اليوم شبه غائب عن الحرب الداخلية وهو، كما يتوقع الكثيرون، يستغل منصبه الحالي لتحضير نفسه منافساً قوياً على رئاسة الحكومة، اما مهمته إزاء الأوضاع الأمنية واستعدادات الجيش، كوزير دفاع، فيتركها للجيش. ليبرمان، فوجئ في بداية تسلم منصبه أن الجيش لا يملك أية خطة تحقق تهديداته بالقضاء على «حماس»، فوجد برمي الكرة الى قيادة الجيش، أفضل الحلول وطلب من رئيس الأركان إعداد خطة لاستبدال الحركة والقضاء عليها. وسياسة ليبرمان هذه، بحد ذاتها، تشعل نيران الحرب الداخلية، حيث استخلص الخبراء والعسكريين والامنيين للحرب الثانية على لبنان والعمليات العسكرية الثلاث على غزة منذ 2008 وحتى 2014، انتهت جميعها بعدم تحقيق الاهداف. وإزاء هذا التهديد المتواصل، يسعى رئيس الحكومة الى ايجاد بدائل تخفف من احتمالات نشوب الحرب، فلم يتردد في الموافقة على طلب قطر بتحويل رواتب عشرة آلاف موظف في «حماس»، على رغم الحملة التي يقودها نتانياهو نفسه، ضد «حماس» ومطلب القضاء عليها. كما يسعى الى إخراج خطة وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، لإنشاء ميناء أمام شواطئ غزة. هذا المشروع، وفق معده سيوفر مخرجاً لمليوني فلسطيني نحو العالم من خلال الحفاظ على أمن إسرائيل. خطوات كهذه يعتبرها نتانياهو ومستشاروه ضرورية لمنع انفجار أمني، فالأوضاع التي يعيشها سكان غزة، بسبب سياسة إسرائيل والحصار تنذر بخطر انفجار حقيقي. هناك 1.8 مليون نسمة يعيشون داخل مساحة لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً، والكثافة السكانية تبلغ 4822 إنساناً للكيلومتر المربع الواحد، هذه الكثافة هي الثالثة على مستوى العالم. وتشير المعطيات الواردة في بنود الوضع الانساني لسكان غزة الى غرق نحو 500 غزي خلال الأعوام الماضية حين حاولوا الإبحار في قوارب صيد صغيرة، من أجل الوصول إلى شاطئ آمن. وبسبب الضائقة الاقتصادية والاكتئاب، فإن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المنتحرين وفي حالات القتل داخل العائلة. أما نسبة البطالة في أوساط الشباب فتصل إلى 60 في المئة، ونحو 90 في المئة من الماء في غزّة غير صالح للشرب. وينذر وضع كهذا، إزاء تشديد الخناق والحصار بانفجار يؤدي الى تدهور أمني في المنطقة، في وقت ما زالت إسرائيل غير مستعدة لمواجهة مثل هذا الخطر، خصوصاً ما يتعلق بالانفاق، وهذا ما سيدفع نتانياهو الى المزيد من الخطوات التي من شأنها ان تخفف من خطر الانفجار، وهذا ما دفعه الى قبول اقتراح دفع رواتب لموظفي «حماس»، على سبيل المثال. أورون شاؤول لم يمت منذ أكثر من أسبوع، لا يمر يوم على نتانياهو إلا و «الجرف الصامد» يلاحقه، فما ان منحه تأجيل صدور تقرير مراقب الدولة حول هذه الحرب، متنفساً حتى صعّد اهالي القتلى والمفقودين حربهم. ولم يتوقع نتانياهو ان تخرج والدة الجندي، اورون شاؤول، بتصريحات تعلن فيها ان ابنها لم يمت. وبحسب والدة الجندي، التي وافقت بعد الحرب على التعامل مع ابنها على انه مفقود وإجراء مراسم دفن له، فإن لديها أدلة قاطعة على أن ابنها اورون على قيد الحياة. وفندت ما تقوله الحكومة انه قتل. ووفق والدة اورون فقد تسلمت رسالة من «حماس» تؤكد أن ابنها حي كما ان في حوزتها معلومات تؤكد ذلك. وقالت في تصريحاتها «حاولت أن أصدق رواية الحكومة بأن ابني قتل. ولكنني لم اقتنع، فكل ما أظهروه لي من براهين لم تكن مقنعة. في المقابل، أنا لم أقف مكتوفة الأيدي خلال السنتين الماضيتين وأجريت الفحص بطرقي الخاصة فتأكد لي في شكل قاطع أن أبني حي يرزق لدى «حماس» في قطاع غزة. فعندما تم أسره كان حياً.