تمتدّ العلاقات بين الألبان وتركيا الى قرون الدولة العثمانية التي اعتمدت على العنصر الألباني في الجيش والإدارة، ولذلك برز عشرات الصدور العظام والقادة العسكريين على رأس الهرم العثماني. وبحكم هذا التشابك كانت عاصمة الدولة العثمانية جاذبة للألبان الذين لعبوا دوراً عسكرياً وسياسياً في السنوات الأخيرة للدولة، سواء مع السلطان عبدالحميد الثاني أو في الانقلاب عليه في 1908 وفي العهد الدستوري اللاحق. ومع استقلال ألبانيا عن الدولة العثمانية، استمر تدفق الألبان الى تركيا الكمالية حتى منتصف القرن العشرين للاستقرار هناك، حيث برز بعضهم في قمة الهرم العسكري وشاركوا في الانقلابات من كنعان ايفرين الذي قاد انقلاب 1980 الى الجنرال آدم حدودي قائد الجيش التركي الثاني الذي كان من أبرز المشاركين في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15-16 تموز (يوليو) 2016 (ولد في كوسوفو 1952 وهاجر مع أسرته الى تركيا في نهاية الخمسينات). مذكرة السفارة التي أثارت الألبان مع تقدير الألبان لموقف تركيا (قبل وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم) إزاء نظام الرئيس السابق سلوبودان ميلوشيفيتش ودعمهم للتدخل الدولي ضده لوقف المجازر وعمليات الترحيل الجماعية للألبان من كوسوفو في 1998-1999 ومشاركة تركيا في عمليات حلف الأطلسي ضد صربيا في آذار- حزيران 1999، التي أفضت الى إخراج القوات الصربية من كوسوفو وتأسيس إدارة دولية هناك، إلا أن المزاج العلماني السائد في كوسوفو وألبانيا تابع بتحفظ ثم بنقد رد الفعل الحكومي بعد الإعلان عن فشل محاولة الانقلاب في 15-16 تموز (يوليو) ضد مؤسسات المجتمع المدني للتخلص من «المعارضة المزعجة» التي تقف في وجه مشروع الرئيس رجب طيب اردوغان لإحكام السيطرة على الدولة والمجتمع. ومع هذا الموقف الغالب في وسائل الإعلام الألباني، كان هناك أيضاً من يؤيد أردوغان، بخاصة في الأوساط الدينية، التي استفادت في شكل وآخر من حكم حزب العدالة والتنمية خلال 2002-2016. ولكن الموقف انفجر فجأة في 20 تموز حين تسرب الى وسائل الإعلام قيام السفيرة التركية في بريشتينا بتوجيه كتاب الى وزارة الخارجية الكوسوفية تطالب فيه بعقاب الصحافي الكوسوفي المعروف بيرات بالوجا (صاحب ورئيس تحرير موقع «كوسوفا اكسبرس») بسبب دعمه الانقلاب العسكري في تركيا. وفي الواقع، كان الأمر يتعلق بما كتبه الصحافي بالوجا على صفحته في الفايسبوك وهو يتابع أخبار الانقلاب العسكري إذ كتب يقول «أدعو المواطنين الكوسوفيين الذين يقضون إجازتهم في تركيا للانضمام الى الجيش». ومع أن السفيرة طلبت من السلطات الكوسوفية إنزال العقاب بالصحافي بالوجا وفق القانون الكوسوفي الذي صدر عام 2015 ويجرّم الحض على المشاركة في نزاعات خارجية (ويقصد بذلك سورية والعراق)، إلا أن وسائل إعلام ألبانية التهبت بمقالات عنيفة تستنكر وتستهجن هذا «التدخل التركي» للحد من حرية التعبير في «دولة ديموقراطية». وبسبب هذا الكم من المقالات، التي خلقت جواً سلبياً ضد ما يجرى في تركيا بعد الإعلان عن فشل الانقلاب، اضطر وزير الخارجية الكوسوفي أنور خوجا في 26 تموز الى الإعلان عن رفض طلب السفيرة التركية باعتباره «غير مقبول وغير مألوف» بالنسبة الى جمهورية كوسوفو «التي تحترم حرية التعبير وحرية الصحافة». كوسوفو «حاضنة» في اليوم الذي أعلن فيه وزير الخارجية رفض كوسوفو طلب السفارة التركية، جاءت المفاجأة من وكالة الأناضول شبه الرسمية على لسان مسؤول تركي سابق في كوسوفو يصرح فيه بأن كوسوفو كانت خلال السنوات السابقة «حاضنة» لبعض العسكريين الذين شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة. وكانت تركيا مع مشاركتها في حرب 1999 ضد صربيا أبقت على قوة عسكرية لها ضمن القوات الدولية (كفور) مركزها بريزرن، مركز الولاية العثمانية في السابق، التي لا تزال تقوم بعملها بموجب قرار مجلس الأمن 1244 الى أن يتشكل جيش كوسوفي محترف يحل محلها. وكما في مثل هذه الحالات فقد كانت الخدمة في هذه الكتيبة التركية تعتبر امتيازاً بحكم الرواتب التي تدفع للعاملين بالمقارنة بالرواتب الموجودة في تركيا. فقد كشف هذا المسؤول العسكري السابق في حديثه الى وكالة الأناضول الذي تناقلته الصحف الألبانية (زيري 26/7/2016 وغيرها) اعتقال بعض القادة العسكريين الذين خدموا في الكتيبة التركية بكوسوفو بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب العسكري الذي حصل في تركيا خلال 15-16 تموز واعتقال العديد من رجال الشرطة الذين عرفهم في كوسوفو خلال خدمته. ووفق هذا المسؤول، فإن بعض الشخصيات في الكيان الموازي» (الذي يتهم الآن بتدبير الانقلاب) كانوا يستخدمون كوسوفو «محطة» لهم. ويقول إن «عدداً كبيراً من الأشخاص الذين شاركوا في إعداد الفخ للجيش من خلال محاكمات ارغينغون وباليوز قد أرسلوا بعد ذلك للخدمة في كوسوفو». أما الهدف من ذلك وفق رأيه فهو «إبعادهم عن المشهد ومكافأتهم على ما قاموا به ولكي يتمّ إعدادهم هناك لعمل آخر». وأخذاً بعين الاعتبار وجود مؤسسات كثيرة لشبكة فتح الله غولن في كوسوفو وألبانيا، وهي التي طالبت السفارة التركية بإغلاقها، ذهب المسؤول التركي الى التلميح بدور ما للولايات المتحدة. فنظراً الى أن ألبانيا وكوسوفو «لا يمكن أن تتخذا أي إجراء يخالف التوجيهات الأميركية « فقد ساعدت هذه «المظلة المخفية» شبكة غولن على النشاط بحرية في هذه المنطقة. وفي ما يتعلق بذلك فقد أثار الرأي العام الألباني ما نشرته الصحافة عن اعتقال أستاذ جامعي ألباني (ماريوس خوجا) يعمل في إحدى الجامعات التركية بتهمة تأييد فتح الله غولن ومعارضة الرئيس اردوغان. ونظراً لما تشغله مؤسسات فتح الله غولن في البلقان، بخاصة في كوسوفو وألبانيا حيث تتبع لها الجامعة الإسلامية الوحيدة (بدر)، فإن التوتر الحالي سيرتبط بالإصرار التركي الحكومي على إقفال هذه المؤسسات التعليمية والثقافية باعتبارها تتبع «منظمة إرهابية»، وهو الأمر الذي لا توافق عليه السلطات الحكومية في كوسوفو وألبانيا ولا يتقبله المجتمع المدني هنا وهناك، طالما أن فتح الله غولن يتخذ الولاياتالمتحدة مقراً له منذ 1999.