نفى السفير الفرنسي لدى بغداد بوريس بوالون بشدة ان يكون طلب تدخل المرجعية الشيعية العليا في النجف خلال زيارته الاخيرة لها في مسألة الملف النووي الايراني، وأعرب في حوار مع «الحياة» عن «استعداد فرنسا لمساعدة العراق لبناء مفاعل نووي للأغراض السلمية»، لافتاً الى ان بلاده «تؤمن بحق الدول العربية والاسلامية في الحصول على الطاقة النووية». وأكد ان بلاده مصممة على إخراج العراق من طائلة الفصل السابع، وإنهاء آثار العقوبات الدولية التي فرضت عليه ابان غزو نظام صدام السابق للكويت في آب (أغسطس) العام 1990، معتبراً ان «هناك حاجة متبادلة بين المجتمع الدولي والعراق، فمثلما يحتاج العراق الى المجتمع الدولي، يحتاج المجتمع الدولي الى عراق يعيد التوازن الى المنطقة». وكشف عن تقديم خطة الى العراق تمكنه من حماية اجوائه خلال سنة ونصف السنة، وخطة أخرى تمكنه من استعادة الكهرباء بصورة كاملة خلال الفترة نفسها. وعبر عن «تفاؤله الكبير بنجاح التحول الديموقراطي في العراق لأن ليس هناك اي مستقبل للديكتاتورية في العراق». وهنا نص الحوار: ما سبب زيارتكم الى المرجعية الدينية في النجف، وما الذي بحثتموه معها؟ - زيارتي الى النجف تندرج ضمن نشاطاتي كسفير لفرنسا في العراق، وأود ان أكتشف الحقائق العراقية على الارض، وسبق ان زرت البصرة والناصرية وكركوك وأربيل والسليمانية وكربلاء، وسأزور خلال الاسابيع المقبلة محافظات الأنبار ودهوك وسامراء. النجف تتميز بوجود سياحة دينية مهمة جداً، وفرنسا لها خبرة في هذا المجال لأنها البلد الاكثر سياحة في العالم. لذلك اقترحنا توأمة مدينة النجف مع مدينة لورد لأن لها خبرة كبيرة في السياحة الدينية. كما ان النجف تمثل مكاناً مقدساً للشيعة في العالم، وبحثت مع آية الله السيد محمد سعيد الحكيم، وآية الله الشيخ بشير حسين النجفي واقع المسلمين في فرنسا. حملتم رسالة من الرئيس ساركوزي الى النجف، فما الذي تضمنته الرسالة؟ - الرسالة تشيد بالدور الحكيم والحاسم جداً الذي تلعبه المرجعية في ترسيخ روح التسامح والمصالحة والتعايش السلمي في العراق، والرئيس ساركوزي يثمّن فعلاً هذا الدور وعبّر عن تقديره واحترامه الكبيرين لدور المرجعية المعتدل الذي يحتاج اليه المجتمع العراقي والعالم أجمع. هل طلبتم من المرجعية الشيعية التدخل لإقناع الحكومة الايرانية بضرورة الانصياع الى ارادة المجتمع الدولي في ما يخص ملفها النووي؟ - كلا لم نتكلم في شأن الملف النووي الايراني مع المرجعية ولم نطلب منها التدخل ولم ألفظ حتى كلمة الملف النووي الايراني إلا لتأكيد ان الموقف الفرنسي المعروف من الملف النووي الايراني لا يستهدف الشيعة في العالم ولا يؤثر في علاقتنا بالشيعة، كما أنني لم أتناول الموضوع لسببين، اولاً: لأن المرجعية ليس لها اي علاقة بالموضوع، وثانياً: فرنسا لا تحتاج اي دور وسيط في هذا الموضوع لأن لديها وسائل ديبلوماسية خاصة لتناوله في اطار الاممالمتحدة ومجموعة الخمسة + 1. وجميع الأنباء التي تحدثت عن طلب فرنسا من المرجعية لعب دور الوسيط هي إشاعات كاذبة. ما سيكون موقف فرنسا اذا اراد العراق اعادة بناء مفاعله النووي؟ - فرنسا مستعدة لدعم العراق لبناء مفاعله النووي والحصول على الطاقة النووية السلمية لأن الرئيس ساركوزي كرر أكثر من مرة ان من حق كل الدول العربية والاسلامية الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية لأنها طاقة المستقبل، وهي مستعدة لمساعدة اي دولة في هذا المجال. اين وصلت جهود فرنسا في شأن مساعدة العراق في الخروج من طائلة الفصل السابع؟ - لدينا رؤية واضحة جداً وهي ضرورة الإسراع بإعادة اندماج العراق بالمجتمع الدولي، وفرنسا لا تخاف من عراق قوي، لا سيما ان العراق أصبح دولة ديموقراطية فعالة لا يشكل معها اي تهديد للمنطقة. العراق بحاجة الى المجتمع الدولي، كما ان المجتمع الدولي يحتاج الى عراق قوي ومستقر في هذه المنطقة الحساسة لإعادة التوازن اليها، نتيجة لذلك فرنسا مصممة جداً على اخراج العراق من الفصل السابع لأن هذا البند يمنع العراق من الحصول على بعض التكنولوجيات مثل التكنولوجيا النووية، كما انه يمنع العراق من استعادة دوره الطبيعي، لذلك فإن فرنسا تكافح كل يوم من اجل ان يتخلص العراق من العقوبات التي يعاني منها من دون اي تبرير. ألا تخشون ان تسوء علاقتكم مع دول أخرى صديقة لكم مثل الكويت التي اعلنت صراحة رفضها خروج العراق من الفصل السابع؟ - لدينا علاقة صداقة جيدة مع الكويت وكل دول المنطقة وأنا لم اسمع ان هناك رفضاً كويتياً لخروج العراق من الفصل السابع، لكن الامر الذي لا مفر منه هو ان على الطرفين (العراق والكويت) ان يقوما بخطوات من شأنها اعادة بناء الثقة بينهما، ونحن نعتقد انهما على الطريق الصحيح. ونحن مقتنعون بأن اخراج العراق من هذا الفصل هو لمصلحة الجميع لأن الدول المجاورة للعراق والمجتمع الدولي بحاجة الى عراق قوي، ولا مخاوف اليوم من العراق، ويجب تبديد مخاوف الماضي. هل سيشمل خروج العراق من طائلة الفصل السابع، انهاء ملف التعويضات التي تدفعها بغداد للكثير من دول العالم؟ سمعنا عن مقترح نعتقد انه جيد وهو تحويل أموال التعويضات الى استثمارات في العراق. لكن، هناك موقف فرنسي واضح هو ان الشعب العراقي لا يستطيع ان يدفع الى الابد ضريبة اخطاء ديكتاتور عانى منه الشعب العراقي طويلاً، لذلك يجب انهاء هذا الملف سريعاً، وعلى الطرفين (العراق والكويت) ان يتحاورا في اطار الاممالمتحدة لحل المشكلة التي طالت كثيراً، والآن حان الوقت لإجراء محادثات مثمرة، وفرنسا مستعدة لسماع اي اقتراح بنّاء ونحن نثق بالعراق ونثق بالكويت وليس هناك حل سوى الاتفاق على تسوية ايجابية للطرفين. التقيتم بمختلف القوى السياسية في العراق، هل شملت حواراتكم مع تلك القوى حضّها على الإسراع في تشكيل الحكومة؟ - فرنسا تثق بقدرة القادة العراقيين على تشكيل حكومة تمثل طموحات الشعب العراقي، صحيح ان التأخر في تشكيلها محبط بعض الشيء لكن ليس هناك اي طريقة أخرى سوى الحوارات بين القادة السياسيين العراقيين حتى وصولهم الى تشكيل الحكومة، الشيء الجيد الذي يجب ان نشيد به هو ان الانتخابات التشريعية الاخيرة والقوائم الفائزة فيها حاولت تجاوز الطائفية في شكل كبير، لكن علينا ان نعترف بأن العراق يحتاج الى وقت لتجاوز الإشكالات الطائفية، وكثير من البلدان مثل فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا مرت بتلك الاشكالات، لكننا نعتقد ان العراق تجاوز مخاطر الفتنة. ما هو دور فرنسا في بناء الجيش والاجهزة الامنية العراقية، غير ما يقوم به حلف الناتو من تدريب للقوات العراقية؟ - فرنسا تقوم بتدريب بعض صنوف الاجهزة الامنية، وحالياً عدد من افراد الشرطة العراقية هم في فرنسا لتلقي التدريبات، وهناك خبراء في طريقهم الى العراق للمشاركة في التدريب، وستستقبل باريس وفداً رفيعاً من الخبراء الامنيين العراقيين لتعزيز التعاون. أعلنتم عن استعداد فرنسا لتسليح العراق، ما نوع الاسلحة؟ - نحن نركز على الجانب الجوي ولدينا خبرة مع العراق في هذه المجال وفرنسا مستعدة لتزويد العراق بالطائرات الحربية وطائرات الهليكوبتر، كما ان فرنسا قدمت الى العراق خطة متكاملة للدفاع الجوي لأنه بعد الانسحاب الاميركي، سيقع على الدولة العراقية عاتق حماية حدودها البرية والجوية والبحرية... وفرنسا اقترحت هذا النوع من التعاون. لكن هذا لا يعني انه يقتصر على التعاون الجوي، فنحن مهتمون ايضاً بالتعاون البحري والبري. أعلنتم عن عزم عدد من الوزراء الفرنسيين زيارة بغداد الخريف المقبل، ما هي أهم الامور التي ستبحث خلال الزيارة؟ - وزراء الخارجية والمال والثقافة والزراعة، سيزورون العراق قبل نهاية السنة الجارية، وفرنسا تريد تقوية علاقاتها مع العراق في كل المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية كما انها مهتمة جداً بالتعاون الزراعي مع العراق. وسيتم تنظيم معرض للخطاطين العراقيين المغتربين خلال الزيارة. في الجانب الخدمي، ما الذي تقوم به باريس لإعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية والخدماتية في العراق؟ - هناك الكثير من المشاريع التي استثمرت بها شركات فرنسية مثل «لافارج» استثمرت أكثر من مليار دولار في صناعة الاسمنت، وشركة «توتال» في حقل الحلفاوية النفطي، وشركة «ديغرمو» التي تساند في إنشاء محطة مياه الرصافة في بغداد لمصلحة 4 ملايين مواطن بغدادي، وشركة «الستوم» تضع التصاميم والدراسات لمشروع «مترو بغداد». كما قامت فرنسا بإعطاء 200 منحة دراسية للطلبة العراقيين للدراسة في الجامعات الفرنسية. كما قمنا بفتح قنصلية فخرية في مدينة الناصرية، وسنفتح القنصلية الفرنسية في البصرة العام المقبل لأن الازمة المالية حالت دون فتحها هذه السنة.