باستثناء الضالعين منهم في حفلات القيل والقال، ومحاولات القفز إلى عوالم التمثيل والغناء والسياسة، هم ليسوا إلا وجوهاً تطل علينا في غرف جلوسنا ونومنا. قراء نشرات الأخبار هم نوعية مختلفة عن زملائهم من المذيعين والمذيعات. ملابسهم متحفظة، أعمارهم متفاوتة، ملامحهم صارمة. لا يجدون حرجاً في نظارات طبية يرتدونها مفضلين سهولة القراءة على حساسية العدسات اللاصقة وعناء عمليات تصحيح النظر. هم كتيبة من النساء والرجال اكتسبت سمعة الجدية والصرامة، والمعلومات العامة الثرية. ومثل هذه الصفات والسمات عادةً تكسب صاحبها أو صاحبتها سمعة الاستقامة والخير والمثالية. حياتهم قلما تجذب أحداً ليتابعها أو ليبذل جهداً لمعرفة تفاصيلها. وعلى طرف نقيض، يجد مقدمو برامج الحوار والترفيه والفن أنفسهم مثاراً للاهتمام والتكهنات والإشاعات والملاحقات الصحافية. وتخصص صفحات في الجرائد والمجلات والمواقع العنكبوتية لسرد أخبار الزواج والطلاق، وربما نشر تفاصيل قصة الاستلطاف التي جمعت بين المذيعة والسياسي عقب استضافتها له، أو حكاية ال «بيزنيس» الذي ضلع فيه المذيع مع سيدة أعمال مشهورة. ولكن أن يفتح قارئ النشرة شهية صحافيي النميمة ومصوري حفلات القيل والقال، فهذا أمر غير وارد، باستثناء حالات الكوارث والأزمات. وهذا تحديداً ما حدث في قضية مقتل سيدة مصرية على يد زوجها قارئ النشرة في التلفزيون المصري. المرجح أن غالبية المشاهدين كانوا يجهلون اسمه حتى ظهر في صفحات الحوادث. فهو معروف بوجهه الهادئ، وأسلوبه المتزن في القراءة، ونظارته الطبية التي لا تفارق وجهه. هو مجرد موصل جيد للأخبار الرسمية. لا يضيف أو يحذف كلمة، لا يقرر أو يلغي. الارتجال الوحيد المسموح له به هو الاعتذار للمشاهدين إن اضطر إلى السعال أو أخطأ في تشكيل كلمة أو أخفق في إصلاح خطأ مطبعي. كل ما يتصل بقارئ النشرة بالنسبة للمشاهد هو تحصيل حاصل. لكن كل هذا انقلب رأساً على عقب. وبين ليلة وضحاها، تحول قارئ النشرة إلى خبر ساخن، وقصة لا تخلو تفاصيلها من كل عناصر الإثارة. وبين ليلة وضحاها، عرف المشاهد عنه أدق تفاصيل حياته، بدءاً من طفولته، وانتهاء بفضائحه الشخصية: زيجة أبعد ما تكون عن التكافؤ الاجتماعي، زوجة محبة إلى حد التملك وغيورة إلى حد الجنون، احتساء خمور وإدمان مخدرات، حيازة سلاح ناري، راتب شهري متدنٍ، إنفاق الزوجة على مستلزماته وملابسه، معايرة الزوجة له، وأخيراً تخطيط للقتل، وعدم إبداء أي أسى أو ندم على ما فعل. الأكيد أن خلف هذا الوجه «العادي» الذي تتلخص مهام عمله في قراءة ما يكتب له بنطق سليم وإلقاء مناسب ما هو أكثر بكثير. الأكيد أن المشاهد سيبذل جهداً إضافياً في أول مرة يتابع فيها نشرة الأخبار العادية على الشاشة الرسمية العادية التي يطل منها وجه مذيع عادي، لأنه يخفي في نهاية الأمر قصة غير عادية.