سعت تركيا إلى طمأنة مواطنيها والغرب، إلى أن فرضها حال طوارئ لثلاثة أشهر بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، لن يعيد قمعاً شهدته البلاد قبل عقود. لكن المعارضة أبدت خشيتها من «انتهاكات»، خصوصاً أن أنقرة جمّدت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وبدأ تطبيق حال الطوارئ الذي أعلنه الرئيس رجب طيب أردوغان الأربعاء، بعد نشر القرار أمس في الجريدة الرسمية التركية. ولم تعلن تركيا حال طوارئ شاملة إطلاقاً، على رغم فرضها في جنوب شرقي البلاد الذي تقطنه غالبية من الأكراد، بين عامَي 1987 و2002، ما أتاح للحكام في المنطقة فرض حظر تجوّل واستدعاء قوات عسكرية لقمع تظاهرات، وإصدار أوامر تفتيش. وفُرضت أحكام عرفية في تركيا لثلاث سنوات، بعد انقلاب عسكري عام 1980. وأفادت وكالة «الأناضول» الرسمية للأنباء بأن المادة 120 من الدستور تتيح إمكان فرض حال طوارئ على كل أراضي تركيا، أو جزء منها، لمدة أقصاها ستة أشهر، في حال وجود أخطار ضخمة بوقوع عنف يستهدف أمن البلاد. وسيمنح ذلك أردوغان سلطة توسيع فترات احتجاز مشبوهين، وإصدار قرارات لها قوة القانون، من دون موافقة البرلمان، وإعلان حظر تجوّل وحظر الحق في التظاهر، وتقييد حرية الحركة في مناطق معينة. وكانت الحكومة استبقت إعلان حال الطوارئ، وشنّت حملة «تطهير» طاولت حوالى 70 ألف شخص، اعتقالاً وعزلاً واستجواباً، بينهم عسكريون وشرطيون وقضاة وموظفون عامون، إضافة إلى إغلاق مئات من المدارس وطرد عمداء جامعات رسمية وخاصة، للاشتباه بارتباطهم بجماعة الداعية فتح الله غولن. وأوردت وسائل إعلام أن السلطات اعتقلت ضابطَين، و113 قاضياً بينهم اثنان في المحكمة الدستورية. وكان أردوغان أعلن ليل الأربعاء فرض حال الطوارئ في تركيا لثلاثة أشهر، في تدبير اعتبره «ضرورياً لاستئصال جميع عناصر المنظمة الإرهابية المتورطة في محاولة الانقلاب»، في إشارة إلى جماعة غولن. ورجّح «تورط دول» بالمحاولة. وتعهد بعد اجتماع استمر نحو خمس ساعات لمجلس الأمن القومي والحكومة، «مواصلة الكفاح للقضاء على الفيروسات في القوات المسلحة»، مشدداً على أن حال الطوارئ «ليست ضد الديموقراطية والقانون والحريات، بل هدفها حماية تلك القيم وتعزيزها». ونبّه إلى أن الانقلاب «ربما لم ينتهِ بعد»، محذراً من «خطط أخرى» محتملة. وعلّق على انتقادات وجّهها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آرولت لحملة «التطهير» في تركيا، داعياً إياه إلى أن «يهتم بشؤونه»، وزاد: «إذا أراد درساً في الديموقراطية، يمكننا أن نعطيه إياه بسهولة». وعلى رغم القيود على حق التظاهر، بموجب حال الطوارئ، تلقّى عدد ضخم من الأتراك رسالة نصية من «ر. ط. أردوغان»، تدعو أنصاره إلى مواصلة النزول إلى الشارع لمقاومة «الإرهابيين الخونة». ووَرَدَ فيها «شعبي العزيز، لا تتخلّ عن المقاومة البطولية التي برهنت عليها، لبلدك ووطنك وعلمك. الساحات ليست ملكاً للدبابات، بل للأمّة». ونشرت صحيفة «يني شفق» المؤيدة للحكومة تسجيل آذان من مسجد المجمّع الرئاسي، نسبته إلى أردوغان. لكن مسؤولاً في الرئاسة أكد أنه صوت الرئيس وهو يتلو آيات من القرآن، نافياً أن يكون رفع الآذان. وتشتري مصارف وجامعات وشركات صفحات كاملة في صحف، لشكر أردوغان على إحباطه «الخيانة»، فيما اقترح رئيس بلدية اسطنبول قدير توباس دفن جثث الانقلابيين في مقبرة منفصلة ل «الخونة». وذكّر نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش بإعلان فرنسا حال طوارئ بعد مجزرة باريس التي أوقعت 130 قتيلاً في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، مشيراً إلى أن بلاده «ستجمّد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بما لا يتناقض مع التزاماتها الدولية، كما فعلت فرنسا» بعد تلك الهجمات. وأضاف أن الحكومة تأمل برفع حال الطوارئ «في غضون شهر أو شهر ونصف الشهر»، إذا «عادت الأمور إلى طبيعتها». أما محمد شيمشك، وهو أيضاً نائب لرئيس الوزراء، فشدد على أن «حال الطوارئ في تركيا لن تشمل قيوداً على التحرّك والتجمعات وحرية الصحافة وما إلى ذلك»، معتبراً أنها «ليست أحكاماً عرفية، مثل التي فُرضت في تسعينات» القرن العشرين. وأعرب عن ثقته بأن بلاده «ستخرج من ذلك وهي أكثر ديموقراطية ولديها اقتصاد سوق أفضل ومناخ استثمار» أكثر جذباً. واعتبر أن «مناخ التسويات السياسية أقوى من أي وقت»، مؤكداً أن الصدمة الأولى من الانقلاب «تلاشت تقريباً». المعارضة في السياق ذاته، أعلن رئيس حزب «الحركة القومية» دولت باهشلي دعمه إعلان حال الطوارئ، مشدداً على وقوف الحزب في «صفّ الدولة والشعب في هذه الفترة المظلمة والعصيبة، أياً يكن الثمن». لكن سيزغين تانريكولو، وهو نائب من «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، نبّه إلى أن فرض الطوارئ «يوجد وسيلة للحكم تمهّد لارتكاب انتهاكات». أما حسين أوزيف، وهو زعيم في نقابة التعليم في اسطنبول، فرفض تحويل ملاحقة الانقلابيين إلى «مطاردة لساحرات». ونقلت وكالة «رويترز» عن ناطق باسم غولن تشبيهه الحملة على أنصار الداعية ب «الفترات السابقة على الإبادة الجماعية في أوروبا الفاشية»، وزاد: «هذه بوادر مزعجة جداً ونحن قلقون جداً». إلى ذلك، أعرب وزير الخارجية النمسوي سيباستيان كورتس عن «قلق من جوانب تتّجه إلى مزيد من التسلط للحكومة التركية»، لافتاً إلى استدعاء سفيرها في فيينا «من أجل توضيحات حول الاتجاه الذي تسلكه تركيا». ووصف قرارات تلك الحكومة بأنها «ليست مقبولة»، مندداً بتنظيم «تظاهرتين مؤيدتين لأردوغان» شارك فيهما 300 ألف من الجالية التركية في النمسا، إذ اعتبر أنهما «تلقتا توجيهات مباشرة من تركيا، وهذا ليس مقبولاً ونريد أن نحتج».