«دار وإعمار» للاستثمار والتطوير العقاري تدشن فيلا العرض النموذجية لمشروع «تالا السيف» وتواصل ريادتها في السوق العقاري    تراجع أسعار النفط إلى 74.59 دولارًا للبرميل    حرم ولي العهد تُعلن إطلاق متحف مسك للتراث "آسان"    ما مطالب إسرائيل من حماس ؟    أمانة القصيم توقع مذكرة مع فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد    أمانة تبوك تكثف أعمال الإصحاح البيئي ومكتفحة آفات الصحة العامة    وزير البيئة يُدشِّن 3 أصناف عالية الإنتاجية من القمح تتناسب مع الظروف البيئية للمملكة    توقعات بمشاركة زيلينسكي في قمة بوتين - ترمب    مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين يُقر أعضاء مجلس إدارة صندوق دعم الإعلاميين    «الأرصاد»: رياح شديدة السرعة على عددٍ من محافظات منطقة مكة المكرمة    المملكة تقدم نموذجًا عالميًا في مكافحة "الاتجار بالأشخاص"    منطقة الحدود الشمالية تضع السعودية ضمن أكبر الدول المنتجة للفوسفات عالمياً    ماذا تقدم بيضة واحدة أسبوعياً لقلبك ؟    «الصناعات العسكرية» تعرض ابتكاراتها في «آيدكس 2025»    تزامنت مع تباشير التأسيس.. الاختبارات بالثوب والشماغ    لمسة وفاء.. زياد بن سليمان العرادي    المملكة صانعة السلام    وزير الداخلية والرئيس التونسي يستعرضان العلاقات والتعاون الأمني    حين يصبح الطريق حياة...لا تعطلوا الإسعاف    في الجولة الأخيرة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي يواجه الغرافة.. والنصر في ضيافة بيرسبوليس    في انطلاق الجولة 22 من دوري" يلو".. الجبلين في ضيافة الزلفي.. والعين يواجه البكيرية    التعامل بحزم مع الاعتداء على «اليونيفيل».. السعودية تدعم إجراءات لبنان لمواجهة محاولات العبث بالأمن    تكريم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز في دورتها ال 12    تراجع مفهوم الخطوبة بين القيم الاجتماعية والتأثيرات الحديثة    عيد الحب.. بين المشاعر الحقيقية والقيم الإسلامية    10 مسارات إثرائية لتعزيز تجربة قاصدي الحرمين في رمضان    وزير الداخلية ونظيره اللبناني يبحثان مسارات التعاون الأمني    تحذير من أجهزة ذكية لقياس سكر الدم    المملكة العربية السعودية تُظهر مستويات عالية من تبني تطبيقات الحاويات والذكاء الاصطناعي التوليدي    وزير الاقتصاد: توقع نمو القطاع غير النفطي 4.8 في 2025    الشيخ السليمان ل«الرياض»: بعض المعبرين أفسد حياة الناس ودمر البيوت    أمير الشرقية يرعى لقاء «أصدقاء المرضى»    «سلمان للإغاثة» يدشن مبادرة «إطعام - 4»    الحجامة.. صحة وعلاج ووقاية    محمد بن ناصر يدشّن حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال    يوم «سرطان الأطفال».. التثقيف بطرق العلاج    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    مسلسل «في لحظة» يطلق العنان لبوستره    عبادي الجوهر شغف على وجهة البحر الأحمر    ريم طيبة.. «آينشتاين» سعودية !    يايسله: جاهزون للغرافة    منتدى الاستثمار الرياضي يسلّم شارة SIF لشركة المحركات السعودية    الأهلي تعب وأتعبنا    الحاضنات داعمة للأمهات    غرامة لعدم المخالفة !    ملّاح داكار التاريخي.. بُترت ساقه فامتدت أسطورته أبعد من الطريق    الملامح الست لاستراتيجيات "ترمب" الإعلامية    الترمبية وتغير الطريقة التي ترى فيها السياسة الدولية نفسها    القادسية قادم بقوة    أمين الرياض يحضر حفل سفارة كندا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    بموافقة الملك.. «الشؤون الإسلامية» تنفذ برنامج «هدية خادم الحرمين لتوزيع التمور» في 102 دولة    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة - ونيس
نشر في الحياة يوم 27 - 07 - 2010

سحبتها من يدها، فنهضت تحمل الجنين براحتيها، مستندة إلى كتفي. سرنا سوياً في الظلام، فيما كان الصمت يخيم على الطرقات، ثمة من يقف في نهاية الممر، سيجارته المشتعلة تكشف عن ردائه الأبيض. أناديه فيأتيني مهرولاً وهي تتوسطنا في المسير. نقترب من باب قسم التوليد فأسحب يدي في هدوء قاصداً باب العيادات الخارجية المغلقة. الجميع في سباق عميق. أقترب من الطاولات والأواني الخاوية. ارى قططاً سماناً تلهث في الطرقات القريبة من خزينة الصرف وتتأهب للانقضاض. مكتب السيد المدير المغلق وتلفازه الموضوع فوق منضدة برونزية تتوسط حجرة السكرتارية يطل من شاشته مذيع يلقي بياناً عن درجات الحرارة المتوقعة. ثم يمر خبر صغير في نهاية النشرة عن حرائق مجهولة لأشجار مثمرة في المكسيك وآلاف الضحايا من الصبية والفتيات كانوا يستعدون للحصاد، ترجلت حتى وصلت إلى منتصف البهو القريب من الباب الرئيس للمستشفى العتيق، جلست على مقعد قريب من باب الدخول، أشعلت سيجارتي، الدخان ينتشر أمامي في كرات زرق ليحط على الأشجار القريبة من قدمي نافذاً إلى فضاءات غير مرئية. أتأمل الشجرة الضخمة القابعة بجذورها في أرض مبللة تنتشر أوراقها عالية وثمار المانغو متدلية قرب قسم الاطفال المبتسرين. شعرت بجوع شديد فتركت مقعدي ودنوت متخطياً مناطق البلل... تسلقتها، وفي ثوان صعدت إلى أعلاها، مددت يدي اليمني لأقطف الثمرة، الرياح تدفعني إلى التشبث بالفروع، محاولات الاستناد إلى الجذع القوي. قفزت إلى أعلى ضارباً الثمار الخضر برأسي لأقطف الثمرة الصفراء البعيدة، فازدادت الرياح صفيراً.
في قفزة واحدة التقتُ الثمرة فاختلّ توازني لأسقط على الأرض. هأنذا مسجّى على ظهري أتألم. أتذكر ترحالي إلى الدار البعيدة، الزمن البعيد القابع هناك، سنوات الهجرة بعد حرب 1973. رحلات وأسفار الصبا، حقول الفواكه، رائحة المانغو، عربة يجرها حمار، ويفترش أرضيتها صبية ثلاثة، عوض والحسين وقدري، عربة خشبية تسير ليلاً في طريق طويل مظلم، يتدلى منها مصباح يضاء بالكيروسين. الطلات الآمنة من عيون الغرباء الجالسين أمام الأكواخ الطينية في الليالي القمرية.
إنني أراك يا عوض تلهث بجانب الحسين، تنادي على قدري السائر خلفنا، يحرسنا ويرقب بريق العنب في ليالي الحصاد، أراكم جميعاً، جدي العجوز وجلبابه الوحيد، تابوته، عمامته المعطرة، دموعي التي لم تجف وأبي وأمي، الكوبري الحديدي. القطار والجنود، أذان الفجر، الطفل الوحيد بحقيبته الكتان المتسخة ونظراته الشاردة، ببكائه المتكرر وتلويحه للجنود والقطار المتجهم. إنه يقترب حاملاً الجنود إلى أرض مجهولة. أصرخ، أستيقظ من غفوتي وفي يدي ثمرة المانغو، استند إلى جدار هش، وأتحسس مواضع الألم في ظهري، أواصل المسير والمذياع يبث الاغنية نفسها: «يا بعيد الدار عن عيني».
تغمرني دموعي ويعلو الغناء من حولي شجياً، مخترقاً آفاقاً غير الآفاق، ويستمر النداء في الطرقات والممرات كافة في المستشفى العتيق، أتتبع صوت المنادي المجهول المصدر. نداءات قديمة وآنية.
على السيد معاون المستشفى الحضور إلى قسم النساء لمقابلة طبيب القسم.
اقتربت من سريرها، كانت ممددة على ظهرها بوجهها النقي، تغطيها ملاءة وردية اللون، وبجانبها وليدها. قبّلت الطفل، وضعت أناملي بين راحتيها، قبّلت جبينها، فتلقفني مقترباً مني، وضع يده على كتفي، هالني رداؤه الأبيض واستدارة وجهه وطول قامته، ثمة من يقترب، يحتويني، يحنو عليّ، فأمد يدي أفتح النافذة المطلة على الحديقة الكبيرة ذات الأنوار الشفافة، استدرت لأراه أمامي.
قال: هذه هي سيدة الأمس... وهذا وليدها (عوض عبدالإله عابد الحسيني).
شردت واغرورقت عيناي بالدموع.
قالت سيدة الأمس: ما اسمك؟
قلت: ونيس
قامت من فراشها، احتضنتني، أمسكت يدي، قبّلتها، أعطيتها ثمرة المانغو وسحبت ذراعي بهدوء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.