في طابور قص التذاكر في الفندق حيث تباع تذاكر المسرحيات التي يعرضها شارع برودواي في نيويورك وقفت أمامي سيدة في الثمانين من عمرها تقريباً يستند على كتفها مصغياً للأحاديث بعينين مغمضتين زوجها في عمرها نفسه، وكما يبدو أيضاً أنه رجل كفيف، هذه السيدة جاءت لتقص تذكرتين لمسرحية، بينما كان البائع يسألها كيف وجدت المسرحية التي حضرتها البارحة، قالت إنها كانت ممتازة وهي قد جاءت اليوم لتشتري تذاكر لحضور مسرحية أخرى طالما أنها في نيويورك. ليسا وحدهما هذان الزوجان من يلفت نظرك إلى أن الحياة وتذوّق مسراتها ومتعها لا تعرف عمراً، وأنك يجب أن تستقيل من الحياة بعد سنّ معيّنة بينما أنت حي، فكبار السن هنا تجدهم في كل مكان من الحياة، يعملون في مكاتب الاستقبال، في محال قطع التذاكر وفي الأعمال التطوعية، والإرشاد في الطرق والعمل الخيري، هؤلاء يقومون عادة بالمجهود الذي يستطيعونه، ومقارنة بما تفعله أنت الشاب ستجد أن ما يفعلونه كثير. أما المعوقون فلا تستطيع إن كنت تمتلك حقاً لمنح هذه الظاهرة ميزة أو امتيازاً فلن تكون أقل من امتياز الحضارة الحقيقية والارتقاء الإنساني بحقوق الناس، فالمعوقون هنا في أي سن وجنس هم مواطنون يعيشون بحضور كامل، ومعترف بوجودهم ليس نظرياً وفي المؤتمرات بل عملياً في الحياة التي يلمسها الناس، في مواقف السيارات التي لا تكتفي بموقف واحد من باب رفع العتب بل مواقف حقيقية وعديدة، وصولاً للمصاعد والدروب، ودورات المياه وحتى في غرف القياس في المحال التجارية، وفي السوبر ماركت لن يكون غريباً أن ترى سيدة في الثمانين تقود كرسياً كهربائياً وتتبضع لنفسها، أما في المصعد فسترى سيدة مقعدة وقد لبست كل حليها وتزينت وذهبت على مقعد إعاقة مع عائلتها لتحضر مسرحية. العناية بالمعوقين وبكبار السن هي سمة للتحضر الإنساني والأخلاق الحضارية العليا، لهذا لا يشعر المعوق بأنه إنسان ناقص بل جسد بإمكانات مختلفة، ويستطيع بإرادته وقوته تعويض هذا النقص، وكم من التجارب أثبتت لنا أن معوقين تغلبوا على إعاقتهم بالبحث عن تفردهم، وتميزهم ونقاط قوتهم، تفوقوا بها على الأصحاء والشباب، لهذا فإن مشهد سيدة تتصفح جهاز كومبيوتر من نوع «الآي باد» الجديد الذي يهاب كثير ممن تجاوز الثلاثين الدخول في تعقيداته سيكون مشهداً فريداً حين تجلس سيدة في السبعين بجانبك تقلبه وكأنها تقرأ كتاباً. حين تعيش في مجتمع تنافسك فيه سيدة في الثمانين على حضور مسرحية وسيدة في السبعين على تصفح «آي باد»، ستكون مضطراً أن تعيد تقويمك لقدراتك البشرية، وحين ترى معوقاً يجلس بجانبك ينتظر دوره لركوب لعبة في «الجيرسك بارك» في مدينة الألعاب عليك أن تفكر في حقوق المعوق في بلادك. [email protected]