"يلو 16".. نيوم والعدالة في قمة الدوري    أمانة الشرقية تكشف عن جهودها في زيادة الغطاء النباتي للعام 2024    العماد جوزيف عون رئيسًا للبنان    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثامنة إلى مطار دمشق الدولي    زيلينسكي يطالب بنشر قوات في كييف.. وأوروبا: مستعدون للدعم عسكرياً    البطي يتصدر قائمة The Elite Builders كقائد مؤثر في قطاع التطوير العقاري    فليك يُعلن التحدي قبل نهائي السوبر الإسباني    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية تركيا لدى المملكة    الأرجنتيني فارغاس ينضم إلى صفوف الفتح حتى عام 2026    «الجوازات»: اشتراط 30 يوماً كحد أدنى في صلاحية هوية مقيم لإصدار تأشيرة الخروج النهائي    10 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز للتميز في العمل الاجتماعي    إحصائيات الخدمات الصحية لمستشفى القويعية لعام 2024م: أرقام تبرز الكفاءة والإنجاز    حساب المواطن: إيداع 3.1 مليار ريال مخصص دعم شهر يناير    المرور السعودي: استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في جازان    فن "صناعة الأبواب والنقوش الجصية" لا زال حاضرًا في الذاكرة    «الإحصاء»: ارتفاع مؤشر الأنشطة النفطية 3.8%.. و«غير النفطية» 2.4%    استشهاد 19 فلسطينيًا في غزة    النفط يهبط مع مخاوف الطلب وارتفاع الدولار والتركيز على سياسات الطاقة القادمة    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    وفاة رجل بسرطان من تبرُّع.. هل تنتقل الأمراض النادرة عبر عمليات الزرع ؟    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    مواجهتَا نصف نهائي كأس الملك.. الاتحاد أمام الشباب والقادسية ضد الرائد    مشعبي يطالب بإيقاف أفراح «الكأس» والتركيز على «الدوري»    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    من أنا ؟ سؤال مجرد    الأردن: السجن ل 3 متهمين في قضية «حج الزيارة»    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    رابطة العالم الإسلامي تُدين وترفض خريطة إسرائيلية مزعومة تضم أجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا    ما ينفع لا ما يُعجب    ولي العهد عنوان المجد    هوبال    بيئة الجوف تنفّذ 2703 زيارات تفتيشية    المملكة تحافظ على صدارتها بحجم الاستثمار الجريء    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    طالبات من دول العالم يطلعن على جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    345.818 حالة إسعافية باشرها "هلال مكة" 2024    أمانة مكة تعالج الآثار الناتجة عن الحالة المطرية    67 % ضعف دعم الإدارة لسلامة المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينجح في استئصال جزء من القولون مصاب بورم سرطاني بفتحة واحدة    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل حملة "التوعية باللعب الالكتروني الصحي"    تحرير الوعي العربي أصعب من تحرير فلسطين    التأبين أمر مجهد    الاتحاد والهلال    أمير المدينة يطلع على مشاريع تنموية بقيمة 100 مليون ريال    يهرب مخدرات بسبب مسلسل تلفزيوني    تطوير برنامج شامل للحفاظ على المواقع والمعالم التاريخية    إنتاج السمن البري    قصة أغرب سارق دجاج في العالم    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    دكتور فارس باعوض في القفص الذهبي    على شاطئ أبحر في جدة .. آل بن مرضاح المري وآل الزهراني يحتفلون بقعد قران عبدالله    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    تعزيز الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي    المنتخب الجيد!    اطلع على إنجازات معهد ريادة الأعمال.. أمير المدينة ينوه بدعم القيادة للمنظومة العدلية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    أمير المدينة يتفقد محافظة العيص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابن تيمية... مشروعاً فكرياً (3)
نشر في الحياة يوم 26 - 07 - 2010

يتصل الحديث حول التفكير الفقهي عند ابن تيمية، وفي هذه المرة نستجم بواقعة إفتائية خطرة وكبيرة في أثرها الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما ينعكس أثراً سياسياً وأمنياً، تلك هي مسألة «التوبة من الربا» التي خاض فيها بعض علماء العصر ووقعوا وأوقعوا الناس في ما تنبأ له ابن تيمية بعد عرضه للمسألة ورأيه فيها بقوله: «وهذا قد دخل فيه على الأمة، يحرمون شيئاً من الأعيان والعقود والأعمال لم يحرمها الشارع، وقد ظن كثير من الناس أنه حرمها، ثم إما أن يستحلوها بنوع من الحيل، أو يقولون بألسنتهم هي حرام، وعملهم وعمل الناس بخلافه، أو يَلزمون ويُلزمون أحياناً ما فيه ضرر عظيم»، إن في التحرير العلمي الفقهي لمسألة التوبة من الربا عند ابن تيمية دلالة على قدرته الاستيعابية للوحيين وحي التنزيل ووحي الواقع.
القرآن الكريم يجرم الربا ويجعل المرابي محارباً الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم «فأذنوا بحرب من الله ورسوله»، وتوعد المرابين بالعذاب الخالد. كل ذلك يوجب اليقظة عند المسلم وغير المسلم بخطورة هذا المسلك في المكاسب. بيد أن سياط الوعاظ تلهب المشاعر وتؤنب الضمائر لكنها لا تقدم حلاً بقدر ما توجد مشكلة! فالمال محبوب النفوس «وتحبون المال حباً جماً»، فكان القرآن الكريم والذكر الحكيم يعرض المشكلة وآثارها ويوقظ الضمير ويقدم الحلول ويطمئن النفوس. وحين يأتي الفهم السليم ليدرك هذه الأسرار فإنه النور على النور.
فقيهنا ابن تيمية كان مدركاً للنص القرآني ومدركاً للبعدين الاقتصادي والاجتماعي حين تأمل آيات الربا في كتابه الذي أسماه «تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء حتى لا يوجد في طائفة من كتب التفسير فيها القول الصواب بلا، لا يوجد فيها إلا ما هو خطأ»، هذا العنوان الذي اختصر فيه فكرة الكتاب.
تتلخص الفكرة التيمية في مسألة التائب من الربا في فهم الآيتين، وهما قوله تعالى «فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله»، والآية الثانية هي قوله تعالى «وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم»، فهل التائب من الربا لا تصح ولا تتحقق توبته إلا بالتخلص من الأموال الربوية، كما هي الفتيا الشائعة؟!
إن الفقيه التيمي يختلف في فهمه ويفرق بين الربا المقبوض قبل التوبة، والربا الذي في ذمة الغير حين التوبة، فما كان من القسم الأول فإن التوبة تستوعبه، يقول في الآية «فله ما سلف»، «أي مما كان قبضه من الربا جعله له...»، وفي الآية الثانية «وذروا ما بقي من الربا»، يقول: «أي ذروا ما بقي من الزيادة في ذمم الغرماء»، «وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم»، «لكم رأس المال من غير زيادة. فأمر بترك الباقي ولم يأمر برد المقبوض وذلك أنه لما جاءه موعظة من ربه فانتهى كان مغفرة ذلك الذنب والعقوبة إلى الله إن علم من قلبه صحة التوبة غفر له وإلا عاقبه».
وإذا كان المقبوض من الربا حلالاً على الكافر إذا أسلم فلا يؤمر برده كشرط لصحة إسلامه فإن المسلم - بحسب فهم ابن تيمية - لا يخلو من أحوال ثلاثة: إما أن يعتقد الحل باجتهاد أو تقليد، وتارة بالجهل ولا يعلم أن ذلك ربا محرم، وتارة يقبض مع العلم بالتحريم، فأما الحالتان الأولى والثانية. ومن نص ابن تيمية «فيه قولان إذا تبين له في ما بعد أن ذلك ربا محرم قيل يرد ما قبضه كالغاصب، وقيل لا يرده. وهو أصح، لأنه كان يعتقد أن ذلك حلال...»، ثم ينتقد ابن تيمية الفقه القائل بأن هذا الحكم خاص بالكافر إذا أسلم ولا يشمل المسلم التائب قائلاً: «إذا كان الكافر إذا تاب يغفر له ما استحله ويباح له ما قبضه، فإن المسلم إذا تاب أولى أن يغفر له... فليس هو شراً من الكافر»، ثم يظهر الفقه الإنساني والمقاصدي من خلال تعليل افتراضي في ما لو قيل بأن على التائب من الربا أن يخرج ما قبضه. فيقول: «المقبوض قد يكون اتجر فيه وتقلب - أي امتزج في ماله - وقد يكون أكله ولم يبقَ منه شيئاً، وقد يكون باقياً، فإن كان قد ذهب وجُعل ديناً عليه كان في ذلك ضرر عظيم وكان هذا منفراً عن التوبة...»، ويقول: «وهو إعانة له على التوبة وإن كلف إخراجه تضرر غاية الضرر ولم يتب. ومن تدبر أصول الشرع علم أن يتلطف بالناس في التوبة بكل طريق»، ويبلغ الفقه غاية عالية حين يقول: «وأيضاً فلا مفسدة في أخذه، فإن المال قد أخذ وخرج عن حكم صاحبه وعينه ليست محرمة... وفيه تيسير التوبة على من كسب مثل هذه الأموال» «وقد أفتيت بهذا غير مرة» ولله در الفقه، والفقيه هو.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.