أطلقت موسكووواشنطن مساراً لتنشيط التعاون في سورية، على رغم استمرار التباينات حول عدد من الملفات. وعقد وزيرا الخارجية سيرغي لافروف وجون كيري محادثات مطولة في موسكو أمس، شهدت انقطاعات مرات عدة لمنح فرصة للطرفين للتشاور في شأن الملفات المطروحة، كما توجه الوزيران إلى السفارة الفرنسية لتقديم العزاء ضحايا اعتداء نيس قبل أن يواصلا محادثاتهما حتى وقت متقدم مساء أمس. وركّزت المحادثات على «تذليل الخلافات» في شأن الأزمة السورية وتحديداً في شأن خطة أميركية تنص على «تعاون عسكري مباشر» مع الروس ضد تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة» في سورية. في غضون ذلك، أعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل ما لا يقل عن 18 عنصراً من تنظيم «داعش» الخميس جراء غارات روسية على مناطق عدة في وسط سورية، وتحديداً محيط مدينة تدمر الأثرية ومنطقة السخنة (ريف حمص)، مشيراً إلى أن بعض القتلى يحمل جنسية أوروبية. ولم تُعلن وزارة الدفاع الروسية أمس عن غارات جديدة، علماً أن الغارات السابقة نُفّذت على مدى يومين هذه الأسبوع وشاركت فيها طائرات «توبولوف 22» استراتيجية بعيدة المدى انطلقت من قواعد في روسيا لضرب أهداف على الأراضي السورية، بعد المرور في أجواء كل من إيران والعراق. واستمرت أمس المواجهات العنيفة في مدينة حلب وأطرافها الشمالية بين القوات النظامية وفصائل المعارضة التي تجهد لفك الحصار الذي بات مفروضاً فعلياً عليها بفعل سيطرة الجيش السوري على طريق الكاستيلو وهو الوحيد الذي يربط أحياء حلب الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضين بالريف الغربي الذي يُعتبر خط الإمداد الأساسي الذي يأتي من محافظة إدلب المجاورة. وفي وقت لم يتم تسجيل خرق مهم على جبهات القتال المختلفة، سُجّلت غارات عنيفة على بلدة كفرحمرة على أطراف مدينة حلب والتي يُعتقد أن المعارضة تتخذ منها قاعدة رئيسية لشن هجماتها المضادة ضد قوات النظام على جبهتي الليرمون والملاح على الأطراف الشمالية والشمالية الغربية لحلب. وفي موسكو، استمرت مناقشات الوزيرين لافروف وكيري أكثر من ست ساعات قبل أن يتوجها إلى السفارة الفرنسية معاً لتقديم العزاء في ضحايا اعتداء نيس. وعقدا بعد ذلك جولة ثانية من المحادثات، ما اعتُبر مؤشراً إلى صعوبة المفاوضات الجارية بين الطرفين، وتطرقها إلى «مسائل تفصيلية مهمة سعى الوزيران إلى تذليل الخلافات في شأنها»، كما أشار ديبلوماسي روسي. واستهل لافروف اللقاء بتأكيد الأهمية التي توليها موسكو لتعزيز الحوار والتنسيق مع واشنطن، بينما قال كيري إنه أجرى «محادثات بناءة مع الرئيس بوتين (...) والعالم بأجمعه ينتظر أن تتخذ موسكووواشنطن خطوات أكثر سرعة وموحدة في مكافحة الإرهاب». وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الجمعة أن المحادثات كانت «مطولة وجرت بوتيرة عالية جداً». وقالت إن الطرفين شكلا خلال المحادثات مجموعات عمل أجرت مناقشات موازية لعمل الوفدين، في مؤشر الى توصل الجانبين الى اتفاقات محددة على تعزيز التعاون تمت مناقشتها بشكل تفصيلي. ووصفت زاخاروفا المحادثات التي جرت أمس، بأنها «استثنائية»، وقالت إنها «تختلف عن المحادثات التي جرت خلال زيارات كيري السابقة». وكان الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أعلن أن روسيا والولايات المتحدة «تعملان لتحقيق تقدم في تبادل المعلومات بينهما، لكن المحادثات لم تتطرق إلى تعاون عسكري مباشر»، موضحاً أن الرئيس فلاديمير بوتين وكيري «ناقشا (مساء الخميس) المواقف المختلفة، ولكن موضوع التعاون المباشر في محاربة التطرف لم يدرج. تبادل المعلومات يحدث، ولكن للأسف نحن لم نبدأ بعد التعاون في شكل حقيقي إلى حد كبير، لتحسين فاعلية الجهود المبذولة لمحاربة الإرهاب». وفي أول تعليق للكرملين على تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد بأن موسكو لم تناقش معه مسألة الانتقال السياسي، قال بيسكوف إن «موقف موسكو حيال الرئيس السوري لم يتغير». وزاد أن روسيا تريد «استمرار مفاوضات جنيف، لأن التوصل إلى تسوية سياسية ممكن فقط عبر عملية جنيف. وفي ما يخص مصير الأسد فإن موقف روسيا معروف ولن يتغير». وأعلن بيسكوف أن الرئيس بوتين علم بالهجوم الإرهابي في نيس خلال محادثاته مع كيري التي استمرت إلى ما بعد منتصف ليلة الخميس- الجمعة. على صعيد آخر، أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن «أكثر من 4500 شخص من روسيا ودول رابطة الدول المستقلة، كانوا سيعودون إلى البلاد في حال انهيار سورية كدولة، والعملية العسكرية الروسية منعت حدوث ذلك». وقال الوزير خلال مؤتمر عسكري- علمي، إن التقديرات الروسية تشير إلى انضمام 4500 عنصر في بداية عام 2015، إلى تنظيم «داعش» من روسيا ودول الرابطة. وأكد أن «القوات السورية بدعم الطيران والمدفعية الروسية حررت 586 منطقة سكنية، بما فيها 150 مدينة، وأكثر من 12 ألف كيلومتر مربع من الأراضي، الأمر الذي سمح ل 264 ألف لاجئ بالعودة إلى أماكن سكنهم الدائمة».