كشف الخبير بالعصر الحجري الحديث والعصر النحاسي بجامعة برلين الحرة رئيس البعثة السعودية الألمانية للتنقيب الدكتور هانز جورج جيبل في موقع الرجاجيل في ضاحية قارا «جنوبسكاكا»، عن عثور البعثة على مكتشفات أثرية في الموقع تعود إلى العصر النحاسي قبل سبعة آلاف عام. وأوضح الدكتور هانز أن أبرز معثورات البعثة في موقع الرجاجيل بمنطقة الجوف كان حلي محروقة، وقلائد، وخرز من المعادن، والأصداف، والعظام، وأحجار الأبسيدين، وأواني من الحجر الرملي، ومكاشط مروحية الشكل، إضافة إلى بقايا مواد أخرى من المنطقة السكينة العلوية وحجر رملي مربع الشكل ذو زوايا مقوسة يبدو أنه منقول لغرفة الدفن البيضاوية وجد بين صف من الأحجار المربعة الداخلية والصف الأساس لغرفة الدفن. وبيّن رئيس البعثة السعودية الألمانية للتنقيب أن موقع الرجاجيل يمثل مقبرة مركزية للمجتمعات الرعوية المتنقلة لفترة ما بين 6500-7000 سنة خلت «العصر النحاسي»، التي ازدهرت بها ثقافة الرعي التي تعتمد على الآبار في تلك الفترة في شبة الجزيرة العربية. ورجّح الدكتور هانز أن نصب القبور أو الأعمدة التي يصل طولها إلى 4.5 متر أنها نصب لزعماء القبائل الذين قادوا تلك الأجيال، مضيفاً: «اثنين من الآبار المحفورة في الرصيف ثبت أنها آبار جوفية للحصول على الماء من عمق 4-5 أمتار، تؤرخ للألف الخامس قبل الميلاد، ومن المرجح العثور على كثير من الآبار التي تعود إلى الفترة نفسها وربما بعدها». الإهمال والتخريب كما الآثار العالمية التي خُلدت في التاريخ، تقف أحجار «الرجاجيل»، منذ أكثر من سبعة آلاف عام بشموخ وهيبة، متحدية عوامل التعرية، وعبث الباحثين عن الذهب والآثار، فمنذ أكثر من ثلاثة عقود و«الرجاجيل» محبوسة في سياج حديدي مهمل، في صحراء موحشة، من دون مرافق سياحية أو ترفيهية، ليعبّر السائحون الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم عند اندهاشهم لحال الموقع المهمل، الذي عرفوا عنه في بلادهم، بأنه من أعظم آثار الجزيرة العربية والتي تحاكي حضارات وأمم استقرت وعاشت في منطقة الجوف، التي يصفها عالم الآثار الدكتور عبدالرحمن الأنصاري بأنها شهدت بدايات الحضارات الإنسانية في الجزيرة العربية «ومنها انتقلت الحضارة إلى جنوب الجزيرة العربية وليس العكس». وقال عالم الآثار مدير جامعة حائل الدكتور خليل المعيقل إن موقع «الرجاجيل» يتكون من 50 مجموعة من الأعمدة الحجرية، كل مجموعة مستقلة عن الأخرى، وتتكون من الأعمدة الحجرية المنحوتة من الحجر الرملي، ويراوح عددها من ثلاثة إلى سبعة أعمدة، ويصل ارتفاع بعضها إلى أعلى من ثلاثة أمتار، وتبلغ سماكة الأعمدة حوالى 60 سنتمتراً. وقال الدكتور المعيقل ل«الحياة» إن الأعمدة رُصدت متجاورة على خط مستقيم، لكن «معظم تلك المجموعات متساقطة أو في وضع مائل، وتواجه مجموعات الأعمدة اتجاه الشرق أو اتجاه شروق الشمس»، مرجحاً أن يكون شكل هذا الموقع ووضع مجموعات الأعمدة فيه يشير إلى الطبيعة الدينية له. وأضاف الدكتور المعيقل: «ربما يكون هذا الموقع عبارة عن مجمع لمعابد مختلفة، ترتبط كل مجموعة من مجموعات الأعمدة بشعب أو قبيلة، ويُعتقد أن الموقع يمثل مركزاً دينياً، تفد إليه المجموعات البشرية من خارج المنطقة، لأداء طقوسها الدينية». من جانبه، اعتبر الباحث في دار القوافل المتخصصة في تاريخ الجزيرة وأثارها الدكتور فرج الله يوسف أن موقع «الرجاجيل» من أهم المواقع الأثرية في أرجاء الجزيرة العربية كافة، كاشفاً أن أعمدة «الرجاجيل» كانت ضمن مبان استخدمت لأغراض تعبدية أو شواهد تقف على مدافن، مرجعاً تاريخ الموقع إلى العصر النحاسي. التنقيب عن الذهب أبدى باحث الآثار عواد فالح ألمه وانزعاجه من تعرض آثار وكنوز منطقة الجوف التاريخية للسرقة والتخريب والإهمال، من «أشخاص يعتقدون بوجود كنوز وذهب بالقرب من الآثار، فتجدهم يحفرون بالقرب من المواقع الأثرية التي تحوي نقوشاً، اعتقاداً منهم بأن النقوش هي دلالة على وجود الكنوز بالقرب منها، ويتطور الأمر بأن يهدموا ويحطموا تلك الصخور بآلات حفر شبيهة بتلك المستخدمة في البناء». وأوضح عواد فالح أن جميع الحضارات والشعوب التي استوطنت وعاشت في الجوف حافظت على آثار الحضارة التي سبقتها، «فالنبطي احترم آثار الثمودي ولم يتعرض لها، والعربي القديم حافظ على آثار النبطي، والإسلامي حافظ على آثار جميع الحضارات التي سبقته، فتجد الصخرة الأثرية تحوي نقوش عصور مختلفة ثمودية ونبطية وعربية وإسلامية، لكنها تتعرض حالياً للتشويه من أشخاص يكتبون عبارات الذكريات على تلك الصخور التي تحوي النقوش بصبغها برشات «البويه»، ومثال ذلك موقع «الرجاجيل» الأثري، الذي تعرضت النقوش الموجودة داخله للطمس». وطالب باحث الآثار بتوفير أفراد أمن لحماية المواقع الأثرية، وزيادة توعية المجتمع من خلال وسائل الإعلام بأهمية الآثار وقيمتها التاريخية الكبيرة، مشيراً إلى أنه استبشر خيراً حين أنهت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قبل نحو خمسة أعوام من إقامة مبنى إرشاد سياحي متكامل بالقرب من موقع «الرجاجيل» للتعرف بالآثار العظيمة التي يحويها الموقع، وقال: «أصبنا بخيبة أمل حين أدى إهمال المبنى وعدم استثماره للتعريف بآثار الرجاجيل إلى تعرضه للخراب والسرقة والعبث بمحتوياته».