كما الآثار العالمية التي خُلدت في التاريخ، تقف أحجار «الرجاجيل» في ضاحية قارة (جنوبسكاكا)، منذ أكثر من 6 آلاف عام بشموخ وهيبة، متحدية عوامل التعرية، وعبث الباحثين عن الذهب والآثار. منذ أكثر من ثلاثة عقود و «الرجاجيل» محبوسة في سياج حديدي مهمل، في صحراء موحشة، من دون مرافق سياحية أو ترفيهية، ليعبّر السائحون الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم عن اندهاشهم لحال الموقع المهمل، والذي قرأوا عنه في بلادهم، بأنه من أعظم آثار الجزيرة العربية والتي تحاكي حضارات وأمم استقرت وعاشت في منطقة الجوف، التي يصفها عالم الآثار الدكتور عبدالرحمن الأنصاري بأنها شهدت بدايات الحضارات الإنسانية في الجزيرة العربية «ومنها انتقلت الحضارة إلى جنوب الجزيرة العربية وليس العكس». ويقدر عضو مجلس الشورى الدكتور خليل المعيقل عمر «الرجاجيل» بأكثر من 6 آلاف سنة، ويتكون من «50 مجموعة من الأعمدة الحجرية، كل مجموعة مستقلة عن الأخرى، وتتكون من عدد من الأعمدة الحجرية المنحوتة من الحجر الرملي، يتراوح عددها من ثلاثة إلى سبعة أعمدة، ويصل ارتفاع بعض الأعمدة القائمة إلى أعلى من ثلاثة أمتار، فيما تبلغ سماكتها نحو 60 سم». وقال المعيقل ل «الحياة» إن الأعمدة رُصدت متجاورة على خط مستقيم، لكن «معظم تلك المجموعات متساقطة أو في وضع مائل، وتواجه مجموعات الأعمدة اتجاه الشرق أو اتجاه شروق الشمس». ورجح أن يكون شكل هذا الموقع ووضع مجموعات الأعمدة فيه يشير إلى الطبيعة الدينية له، وأضاف: «ربما يكون هذا الموقع عبارة عن مجمع لمعبد مختلفة، ترتبط كل مجموعة من مجموعات الأعمدة بشعب أو قبيلة، وعلى ذلك فيُعتقد أن الموقع يمثل مركزاً دينياً، تفد إليه المجموعات البشرية من خارج المنطقة، لأداء طقوسها الدينية». من جانبه، اعتبر الباحث في دار القوافل المتخصصة في تاريخ الجزيرة وآثارها الدكتور فرج الله أحمد يوسف، أن موقع «الرجاجيل» من أهم المواقع الأثرية في أرجاء الجزيرة العربية كافة. وكشف فرج الله أن أعمدة «الرجاجيل» كانت ضمن مبان استخدمت لأغراض تعبدية أو شواهد تقف على مدافن، مرجعاً تاريخ الموقع إلى العصر النحاسي. 1وفي السياق ذاته، أبدى المهتم بالآثار وقراءة النقوش عواد فالح انزعاجه من تعرض آثار وكنوز منطقة الجوف التاريخية للسرقة والتخريب والإهمال، من «أشخاص يعتقدون بوجود كنوز وذهب بالقرب من الآثار، فتجدهم يحفرون بالقرب من المواقع الأثرية التي تحتوي على نقوش، اعتقاداً منهم بأن النقوش هي دلالة على وجود الكنوز بالقرب منها، ويتطور الأمر بأن يهدموا ويحطموا تلك الصخور بآلات حفر شبيهة بتلك المستخدمة في البناء». وأوضح أن جميع الحضارات والشعوب التي استوطنت وعاشت في الجوف حافظت على آثار الحضارة التي سبقتها، «فالنبطي احترم آثار الثمودي ولم يتعرض لها، والعربي القديم حافظ على آثار النبطي، والإسلامي حافظ على آثار جميع الحضارات التي سبقته، فتجد الصخرة الأثرية تحتوي على نقوش عصور مختلفة ثمودية ونبطية وعربية وإسلامية، لكنها تتعرض حالياً للتشويه من أشخاص يكتبون عبارات الذكريات على تلك الصخور التي تحوي النقوش عن طريق صبغها برشات «البويه»، ومثال ذلك موقع «الرجاجيل» الأثري والذي تعرضت النقوش الموجودة داخله للطمس». وطالب بتوفير أفراد أمن لحماية المواقع الأثرية، وزيادة توعية المجتمع من خلال وسائل الإعلام بأهمية الآثار وقيمتها التاريخية الكبيرة. وكان نائب الأمين العام للهيئة العليا للسياحة الدكتور صلاح البخيت، قال في مقابلة مع «الحياة» إن الآثار انتقلت بشكل رسمي إلى الهيئة، «ولدى الهيئة توجّه للتعامل مع حماية الآثار والبحث عنها وتهيئتها للعرض بداية من العام المالي المقبل، من خلال مراقبين لحماية الآثار، يشبه عملهم عمل المراقبين التابعين للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها». «أعمدة الرجاجيل» عانت من الإهمال والكتابة عليها. (الحياة)