قبل فترة كتبت الزميلة فيكي حبيب، في هذه الزاوية متسائلة، في معرض حديثها عن محطة التلفزيون اللبنانية الرسمية - التي كانت تعرف أيام عزها ب «القناة 7» - لماذا لا يتم تحويل هذه المحطة العريقة الى محطة تلفزيونية ثقافية بدلاً من تركها تتآكل بالتدريج بين سندان عجز الدولة اللبنانية عن ضخها بالمال الكافي لتعويمها في شكل منطقي ومنافس، ومطرقة الفضائيات والمحطات العربية الأخرى التي من المستحيل القول إن المحطة اللبنانية الرسمية قادرة على سحب ولو متفرج واحد منها. والحقيقة أن طرافة هذا التساؤل وجديته في الوقت نفسه، تدفعان المرء منا الى توسيع دائرة الاقتراح - وما سؤال الزميلة حبيب هنا سوى اقتراح مبطّن - في شكل يجعله يطاول كل المحطات التلفزيونية الرسمية العربية... إذ من الملاحظ منذ سنوات أن هذه المحطات، معظمها على الأقل، تعاني ما تعانيه من غياب عن الساحة التلفزيونية والفضائية العربية، لتصبح أكثر وأكثر نقطة الضعف في هذه الساحة. ومع هذا هي، وفي شكل دائم، الأكثر عرضة للهجوم ولو من باب أنها مجرد بوق للسلطات (إنما بوق لا يصغي اليه أحد)، أو من باب أنها تكلف الدولة ودافعي الضرائب أموالاً غير مجدية. ومن هنا وكي تحافظ هذه المحطات على وجودها، من دون أن تحافظ على دورها كبوق! وطالما أن المحطات والفضائيات التجارية (وغير التجارية: أي محطات الوجاهة والايديولوجيا)، لا تؤمن بأي دور للثقافة الحية على شاشاتها، أفلا يتوجب على الدول العربية أن تصل الى حال من الدمج الموفق بين التلفزيون والثقافة، بكلفة لا تزيد عن المبالغ غير المجدية التي تنفقها على محطاتها الرسمية عاجزة عبرها عن إقناع أحد بجدواها؟ تخيلوا معنا، إذاً، نصف دزينة أو أكثر، من محطات ممولة بأموال الشعب، تبث في معظم ساعاتها كل ما هو جدي وممتع وحضاري من البرامج والمسلسلات والأفلام والأشرطة الوثائقية وأخبار الفنون والآداب، وساعات وساعات من عروض الفنون الراقية من مسرحيات وسير لشخصيات وفصول من التاريخ... ومن نافل القول إن معظم هذه العروض لا يكلف شيئاً مقارنة مع كلفة الأفلام والمسلسلات والبرامج العادية والرائجة التي تعرض من على شاشات أيامنا هذه. طبعاً، لن تخامر المرء هنا أية أوهام حول قدرة محطات ثقافية ممولة من دولها على منافسة الرائج... ولكن يقيناً انه سيكون لها من المشاهدين ما يزيد، كماً ونوعاً، عن مشاهدي المحطات الرسمية، ناهيك بأنها لو حققت نجاحات ولو بالحدود الدنيا، ستوجد للمبدعين أنفسهم منابر ومنافذ تربطهم بجمهورهم... أما الدول، الممولة، فيقيناً أنها ذات يوم ستشعر بأن الأمر لم يكن، على أية حال، مغامرة ولا مجازفة.. . ولا عبئاً مالياً اضافياً.