لم يقرِن رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي تهديده هذه المرة بالحرب «المقبلة» على لبنان، باشتراط عامل طارئ، أو تحوّل في نهج «حزب الله» مثلاً، بل هو أصرّ على عجز «يونيفيل» عن اكتشاف الأسلحة التي اتهم الحزب بتخزينها في مناطق سكانية جنوب نهر الليطاني. و «المقبلة» إذ تعني ما يشبه اليقين لدى اشكنازي بأن ما كان احتمالاً بات أقرب الى الترجيح، يجدر باللبنانيين ألاّ ينخدعوا بقدرة الإدارة الديموقراطية في الولاياتالمتحدة على منع الحرب، بافتراض أنها لا تريدها فعلاً. يجدر تذكُّر الوعد العلني الذي قطعه الرئيس باراك أوباما لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بعدم السماح بأي شأن تعتبره الدولة العبرية مهدداً لأمنها... أي إطلاق يدها لتحديد الأولويات «الأمنية» والعسكرية في المنطقة، وهذه لا يرى نتانياهو مانعاً في تحديد خريطتها بدءاً من بوشهر وأصفهان وكل منشآت البرنامج النووي الإيراني، مروراً بجنوب لبنان والترسانة الصاروخية ل «حزب الله» وأنفاق «حماس» في غزة. من العبث إذاً، تقصي نيات الإدارة الأميركية، وهل تمتنع عن إعطاء إسرائيل ضوءاً أخضر لحرب قد تدمر كل الجنوب مجدداً. لكن وجود «يونيفيل» سيكون أولى ضحاياها، بالتالي يُشطَب القرار 1701. من العبث افتراض رأفةٍ باللبنانيين لدى الإدارة الديموقراطية مغايرة لحرص الجمهوريين عام 2006 على تمديد الحرب. وإذا كان المقلق بعد سيل التهديدات الإسرائيلية بشن حرب لا تبقي ولا تذر هذه المرة، أن الدولة العبرية لا تبدو مكترثة بدروس 2006، وتلمح بخبث الى وقائع جديدة في لبنان خلال الخريف، بسبب المحكمة الدولية، يبقى الأكثر مدعاة للقلق والحيرة في آن، ان الأميركي الذي لا يكلّ في تجديد حرصه على استقرار البلد، لم يتعلم ايضاً من تجربة مقاربة الإدارة الجمهورية السابقة لطبيعة العلاقة مع فريق لبناني ولو كان غالبية (14 آذار)، وإصرار الإدارة ذاتها على تعزيز الشكوك لدى الفريق الآخر من حيث تدري أو لا تدري... حتى بدت إشادتها المفرطة بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، متعمدة لاستثارة المعارضة، أو على الأقل مسيئة الى الحكومة، ومثيرة لضجرها وغضبها. السناتور الديموقراطي جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي صنّف ما وصفه ب «خطر التفوق العسكري لحزب الله على التفوق الإسرائيلي وعلى الوضع الداخلي اللبناني»، في مرتبة الأكثر «إزعاجاً» لبلاده. فإذا تذكّرنا وعد أوباما لإسرائيل، هل تصمد مبررات التفاؤل لدى الذين يستبعدون الحرب؟... والأهم داخلياً، ان كيري الذي يخاطب «حلفاءنا في لبنان» ويلتزم «شراكة» معهم على المدى البعيد، لا يأتي بأفضل مما فعلت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس من تقديم دعم لفظي كامل، وعجز عن تأمين انسحاب اسرائيل من الغجر، أو الضغط لوقف انتهاكاتها للسيادة اللبنانية. وفي كل الأحوال، هل اعتبرت حكومة سعد الحريري نفسها «حليفاً» للولايات المتحدة؟ وهل فعلت ذلك حكومة السنيورة؟... حتى الدعم الذي تقدمه واشنطن للجيش اللبناني، لا يلبث ان يصبح ميدان تراشق آخر بين القوى السياسية اللبنانية، ببساطة لأن «الشطارة» الأميركية في تقديم الذريعة لا تتأخر كالعادة، كما في شهادة السفيرة الجديدة للولايات المتحدة مورا كونالي أمام مجلس الشيوخ، إذ ترى أن من أهداف الدعم العسكري الأميركي للبنان «منع الجنوب من أن يُستخدَم قاعدة لشن هجمات على إسرائيل». ويمكن للخيال اللفظي الاسترسال في إيجاد المرادف: حماية إسرائيل! اي ديبلوماسية إذاً؟... ولو أن لتشاؤم كيري ما يبرره في الحديث عن مرحلة الاضطراب في لبنان الممتدة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري مروراً بحرب تموز (يوليو) 2006 وحرب مخيم نهر البارد. الأكثر حكمة ان تربط كونالي استعادة لبنان سيادته الكاملة بتحقيق السلام الشامل في المنطقة، لكنها تمتنع بالطبع عن تناول ما يمنع هذا الهدف، فيما وعود أوباما للعرب في مطلع عهده، تتبخّر. ووراء كل ضجيج الخلاف الأميركي – الإسرائيلي على الاستيطان، كانت لقاءات ايهود باراك في البنتاغون تتكثف، والتعاون العسكري الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب، يخضع لعمليات ضخ دم. ما يقدمه الأميركي للبنانيين، مزيد من الذرائع للانقسامات، فيما البلد أصغر بكثير من القدرة على احتواء عواصف ميزان القوى الإقليمي. ظنّ كثيرون ان خلاف أوباما – نتانياهو قد ينتهي بلَيّ ذراع إسرائيل... خرج الرئيس الأميركي ليتعهد ذراعاً أقوى لها، إسرائيل تخطط لمنع إيران نووية، ولا تنسى مرحلة الانسحاب الأميركي من العراق و «الخريطة» الجديدة للتوازن. وحين تقول سفيرتها لدى الأممالمتحدة ان الدولة العبرية باتت «اكثر دولة معزولة في العالم»، لن ترجَح كفة السلم لإنهاء هذه العزلة. أما اللبنانيون فسيبقون مساكين الى الأبد، إن غامروا مجدداً بوحدتهم، ولو عليلة.