«المسرح العربي إلى أين؟» عنوان ندوة شهدتها الدورة الأولى لمهرجان المسرح العربي التي استضافتها القاهرة أخيراً ونظّمتها الهيئة العربية للمسرح بمشاركة مسرحيين من مصر والإمارات العربية المتحدة وليبيا ولبنان والجزائر والأردن والسودان والبحرين وتونس وفلسطين وسورية. السؤال نفسه كشف شعوراً مضمراً بعدم الرضا عن راهن المسرح العربي، فيما عكست مناقشات الندوة قلقاً عميقاً على مستقبله. شملت الندوة جلستين نوقشت خلالهما قضايا طرحتها دراسات وأوراق قدّمها باحثون في مجال المسرح من دول عربية مختلفة. هل من نص عربي للمسرح؟ سؤال طرحه الكاتب السوري وليد إخلاصي ضمن جملة من الأسئلة المهمة، ومنها: هل يمكن اعتبار المسرح العربي من العناصر المساهمة في شكل فاعل في بناء الثقافة الوطنية؟ ما المتطلبات اللازمة لاكتمال الحضور القوي للمسرح في الحياة العربية؟ فضلاً عن سؤال حول التزام النص المسرحي العربي بالقوانين الدرامية الصارمة التي نهض بها المسرح اليوناني، وان يمكن الحديث عن لغتين في المسرح العربي: الفصحى والمحلية. قال إخلاصي إن «معظم الأبحاث السابقة تناولت على مدار عقود مسألة المتطلبات المسرحية من بناء وأمكنة صالحة للعرض ومعاهد تعليمية متخصصة لتعليم فن الكتابة المسرحية وتقديم الخبرات الفنية، وعلى رغم هذا لم يحقق المسرح العربي وجوده في المشهد الثقافي الواسع». وأضاف: «ما لم يدخل المشهد المسرحي المختبر الأكاديمي ليؤدي المهمة المنوطة به وليكون هناك وصف مدقق لما حدث حتى الآن لن يكون لدينا تصور لما يجب أن يكون عليه مستقبل المسرح العربي». ولفت إخلاصي إلى أهمية إعداد موسوعة تتناول المسرح العربي عبر سنين حضوره فهي تساهم في استشراف المستقبل. أما المغربي عبدالكريم برشيد فرأى أن المسرح العربي حاول أن يقبض على الصناعة المسرحية وحدها، لكنه نسي – أو تناسى – أن هذه الصناعة ليست مادية أو آلية خالصة لأنها - بحسب تعبيره - صناعة الإنسان الحي قبل كل شيء، فكراً وذاكرة ووجداناً. وتساءل برشيد: «كيف يكون هناك مسرح حر في مجتمعات تطبق الأحكام العرفية، وتقوم على حزب واحد ولا تؤمن بالتعددية». وتابع: «إن مستقبل المسرح العربي يكمن في إيجاد تصور شامل ومتكامل للوجود في المسرح وللمسرح في الوجود، وهذا أمر مرهون بالحرية». وتعد إشكالية التعدد الثقافي «أكبر الإشكاليات التي تواجه المسرح في السودان»، كما أشارت دراسة للباحث السوداني راشد مصطفى بخيت الذي أوضح أن السودان يضم ما لا يقل عن 570 مجموعة قبلية تتحدث أكثر من 114 لغة مع وجود العربية لغة مشتركة بين هذه اللغات. وقال بخيت: «على رغم أن التعدد الثقافي الهائل قرين الممارسة المسرحية فقد مر قرن من الزمان على السودان والمسرح لا يكتب فيه إلا بلغة واحدة». ومن سلطنة عمان تحدث عبدالجواد كريم عن قضية الاحتراف والهوية في العمل المسرحي، مؤكداً أهمية الاحتراف باعتباره الصيغة الوحيدة لتطور التجربة المسرحية العربية وتقدمها. وأشار إلى مجموعة من المقومات لا بد من توافرها في هذا الصدد، منها تفرغ الفنان للمسرح تماماً وعدم انشغاله بأمور أخرى، والاستمرارية، فغالبية المسارح العربية لا تعمل طوال السنة وتكتفي بالمواسم، والاستقلالية التي لا يضمنها سوى الاحتراف. ولفت عبدالجواد إلى أن المسرح في العالم العربي يواجه مجموعة من المعوقات منها الثقافة الاجتماعية وما تشمله من عادات وتقاليد وموروثات، فضلاً عن سيطرة الفكر العقائدي في كثير من البلدان العربية. وشدد على أهمية وجود ميثاق شرف يسهل انتقال المسرح العربي من دولة إلى أخرى من دون قيود. «المسرح في زمن الحرب» عنوان الورقة التي قدّمها المخرج الفلسطيني فتحي عبدالجواد وسرد فيها تفاصيل الحياة اليومية للمسرح في فلسطين موضحاً كيف يعمل تحت وطأة الاحتلال وفي ظل عوائق يفرضها المحتل أمام كل أشكال العمل الثقافي، ومنها المسرح حيث تمنع العروض وتصادر المعدات ويعتقل الفنانون. أما الناقد المصري أحمد سخسوخ فلفت إلى أنه على رغم تعدد جماهير المسرح وتنوعهم في مصر، إلا أن المسارح باتت خالية تقريباً منهم، معللاً ذلك بأن الطبقة الوسطى التي تنتج الفنون وتتعاطاها لم يعد لها وجود. وأشار سخسوخ كذلك إلى أن النقد «لم يعد يلعب أي دور في جذب الجماهير إلى المسرح». وأكّد الناقد المصري حسن عطية أهمية اتخاذ خطوات عملية لتجديد شباب المسرح العربي، وقال: «نحن فعلاً في حاجة إلى مسرح يعبر عن قضايا مجتمعنا المصيرية، ويستفيد من إنجازات الآخر ويحاول اللحاق بها من دون أن يفقد هويته». وفي ختام الندوة صدرت مجموعة من التوصيات، منها: تحديث البنية التحتية لمجموعة من المسارح، بناء مسارح جديدة، توظيف الميادين والحدائق لإقامة مسارح متنقلة، وإقامة الورش والدورات التدريبية في الداخل والخارج، وإرسال البعثات قصيرة المدى إلى الخارج، والاهتمام بالنصوص الجيدة وإنتاجها بالاشتراك بين الدول العربية. والمهرجان نظّمته الهيئة العربية للمسرح برئاسة نقيب الممثلين المصريين رئيس اتحاد النقابات الفنية العربية أشرف زكي، وبرعاية حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ووزير الثقافة المصري فاروق حسني. وشهد المهرجان الذي أهديت دورته الأولى إلى روح المخرج المسرحي المصري السيد راضي حضوراً ضعيفاً للغاية في جلسته الافتتاحية التي عقدت في دار أوبرا القاهرة وغاب عنها وزير الثقافة المصري.