قالت مصادر مطلعة على اتجاهات التفكير في أروقة الكرملين إن روسيا ستؤيد ترك الرئيس السوري بشار الأسد لمنصبه، لكن هذا لن يحدث إلا عندما تصبح على ثقة أن تغيير القيادة لن يؤدي إلى انهيار الحكومة السورية. وأضافت المصادر أن ذلك قد يستغرق سنوات قبل أن يتحقق وأن روسيا مستعدة خلال تلك الفترة لمواصلة دعمها للأسد بغض النظر عن الضغوط الدولية لإبعاده عن مقعد القيادة في سورية. ومن المرجح أن يؤدي مثل هذا التأييد الجازم إلى مزيد من التعقيد في مفاوضات السلام المتعثرة مع خصوم الأسد ويفسد العلاقات مع واشنطن التي تريد رحيل الأسد. وقال السير توني برنتون السفير البريطاني السابق لدى روسيا: «روسيا لن تقطع صلتها بالأسد إلى أن يحدث أمران. أولاً، حتى تصبح على ثقة أنه لن يتم إبداله بشكل ما من أشكال سيطرة الإسلاميين. ثانياً، حتى تضمن أن قدرة وضعها في سورية وحلفها وقاعدتها العسكرية على الاستمرار». وأوضحت مصادر متعددة في مجال السياسة الخارجية الروسية إن الكرملين الذي تدخل العام الماضي في سورية لدعم الأسد يخشى حدوث اضطرابات في غيابه ويعتقد أن النظام أضعف من أن يتحمل تغييراً كبيراً كما يعتقد أن من الضروري خوض قدر كبير من العمليات القتالية قبل أي فترة انتقالية. وتشترك روسيا والولايات المتحدة في رعاية مفاوضات السلام بين الأطراف المتحاربة في الحرب السورية. وتحاشت تلك المفاوضات المتوقفة حالياً التطرق إلى مسألة ما إذا كان اتفاق السلام سيتطلب رحيل الأسد حتى يمكن أن تبدأ المفاوضات من الناحية النظرية على رغم التباين في مواقف موسكووواشنطن. وكانت موسكو أشارت إلى أن تأييدها للأسد له حدود. وقال ديبلوماسيون روس إن الكرملين يؤيد الدولة السورية وليس الأسد بصفة شخصية. كما قال الرئيس فلاديمير بوتين إن النظر في الأسلوب الذي يمكن به إشراك المعارضة في هياكل الحكومة السورية أمر يستحق العناء. وغذت هذه الآراء آمال الغرب في مساعدة روسيا في الوساطة لخروج الأسد عاجلاً لا آجلاً. غير أن مصادر وثيقة الصلة بالكرملين قالت إنه لا توجد بوادر قوية على أن روسيا مستعدة لإبعاده قريباً. وقالت إيلينا سوبونينا محللة شؤون الشرق الأوسط في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية في موسكو الذي يقدم المشورة للكرملين: «لا أرى أي تغييرات الآن» في موقف روسيا في شأن الأسد «فالموقف هو نفسه. وما الداعي لتغييره»؟ مضاعفة الرهان على النقيض تشير وسائل الإعلام الرسمية التي تسير على نهج الكرملين إلى أن روسيا تضاعف بدلاً من ذلك رهانها على الأسد وتحاول سد المنافذ أمام أي محاولات أميركية لبحث مستقبله. وقال ديمتري كيسليوف مقدم برنامج إخباري تلفزيوني أسبوعي رئيسي للمشاهدين هذا الشهر إن الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لسورية كانت رسالة إلى واشنطن للتوقف عن محاولة الضغط على موسكو بسبب الأسد. وقال كيسليوف المعروف أنه من الصحافيين المفضلين لدى بوتين إن «زيارة شويغو ولقاءه مع الأسد رسالة مؤكدة من روسيا... من يا ترى يريد الأميركيون أن يرونه محل الأسد؟ لم يفسر أحد في واشنطن بمن فيهم أوباما هذا الأمر». وقال فيودور لوكيانوف خبير السياسة الخارجية المقرب من الكرملين الذي يتولى تحرير المواد الخاصة بروسيا في نشرة «غلوبال أفيرز» إن حديثاً دار داخل الحكومة الروسية عن مستقبل الأسد وإنه يعتقد أنه تم التوصل إلى ترتيبات لوضعها موضع التنفيذ في يوم من الأيام. لكنه أوضح أن موقف روسيا في الوقت الحالي هو التريث لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور وإن الكرملين يريد أن يعرف أولاً من سيصبح الرئيس التالي للولايات المتحدة وإن الأمر سيتطلب فترة طويلة للخروج ببديل مقبول للأسد. وأضاف لوكيانوف: «كيف لنا أن نعرف أن النظام كله لن ينهار إذا أبعدناه. هذا الخطر قائم». تهديد الإسلاميين وقال الكرملين إن آلاف الروس ومواطني الاتحاد السوفياتي السابق يقاتلون في صفوف تنظيم «داعش» إن من الضروري هزيمتهم في سورية والعراق للحيلولة دون عودتهم إلى البلاد لشن هجمات. ووصف الكرملين الأسد الذي كان والده الرئيس السابق حافظ الأسد حليفاً لموسكو في العهد السوفياتي بأنه شريك رئيسي في تلك المعركة. وقال أندريه كورتنوف المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية وهو مركز في موسكو لأبحاث السياسة الخارجية تربطه صلات وثيقة بوزارة الخارجية الروسية إنه لا يوجد تعاطف كبير مع الأسد شخصياً داخل دوائر السياسة الخارجية الروسية. غير أنه قال إن موسكو عليها أن تهيء نفسها كطرف مهم منتصر وإن الأسد جزء من تلك المعادلة في الوقت الحالي. وأضاف: «عليك أن تتذكر الوجه الآخر للعملة. روسيا مهمة لأن لها علاقات مع النظام السوري لذلك إذا تمت التضحية بتلك العلاقة فربما لا تصبح طرفاً بعد ذلك». وقالت تارجا كرونبرج الخبيرة في الشؤون الروسية التي كانت وزيرة في الحكومة الفنلندية إن روسيا قد توافق على صفقة في شأن خروج الأسد يتم فيها الاحتفاظ بأجزاء رئيسية من هيكل الدولة والنخبة السياسية وفي الوقت نفسه دمج ساسة المعارضة. غير أن التوصل إلى ترتيبات تجمع بين هذين العنصرين لن يتأتى بسهولة أو بسرعة. وأضافت: «السؤال في الواقع هو كيفية خلق الاستقرار والتغيير في الوقت ذاته». وفي الوقت الحاضر يقول برنتون السفير البريطاني السابق إن دور الأسد في مواجهة التطرف الإسلامي يطغى على كل شيء آخر. وقال: «بالنسبة لهم، الأسد على رغم كل مساوئه وكل دمويته وكراهته أفضل من سقوط بلد آخر في أيدي الإسلاميين».