قلب تاجر السيارات الشيعي سبحته الصفراء بيده، وقال لزبون طلب شراء سيارة «بيجو»: هل تريدها فرنسية أم صفوية؟يطلق سكان الجهة الغربية لبغداد (الكرخ) حيث الأحياء ذات الغالبية السنية على السيارات المصنعة في إيران اسم «صفوية». وكانت غالبية المناطق السنية تقاطعها، وتقاطع البضائع الإيرانية مثل المكيفات وغيرها بفتاوى من الجماعات المسلحة التي كانت تسيطر على أحيائهم.لكن الصناعات «الصفوية» اخترقت المناطق «المحرمة» وصارت متاحة للجميع وتنافس الصناعات الأخرى، نظراً إلى ثمنها الرخيص مقارنة مع الماركات العالمية المعروفة.ابتسم تاجر السيارات معلقاً: الله لا يعيد تلك الأيام، في إشارة الى مرحلة كانت الجماعات المسلحة السنية والشيعية تحدد أهدافها من خلال اللهجة، عندما لا يكون الاسم يؤشر إلى الإنتماء الطائفي.والفرق بين لهجة أهالي بغداد يقتصر على استخدام الضمة على ضم بعض الحروف في الغرب، وكسرها في الشرق.وكانت ذروة الصراع الطائفي (2006- 2007) أجبرت معظم مستخدمي الضمة على إتقان الكسرة التي أصبحت لهجة ومعظم المسؤولين وضباط الأمن والجيش والمتنفذين في دوائر الدولة، مقترنة بعبارات ذات دلالة مثل تقديم الكلام بكلمة «مولاي» الجنوبية، بدلاً من كلمة «اغاتي» البغدادية الشهيرة. وانحسرت كلمات كانت رائجة في بغداد خلال حكم النظام السابق مثل «عَجل» بمعنى إذاً، و «خيي» بمعنى «أخي» وهي لهجة أهالي تكريت، معقل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.وبعد 2003 انقلبت اللهجات في بغداد بسرعة، لمصلحة أهل الجنوب الذين قدموا الى العاصمة بكثافة، سياسيين وتجاراً وعمالاً وباحثين عن فرص عمل، واحتلوا المناصب التي كان يشغلها أهالي تكريت، وغلبت لهجتهم التي تستخدم كلمات مثل «جا» بمعنى إذاً، و «خوية» بمعنى أخي.«لم يعد البغدادي مضطراً إلى استخدام (جا) مثلما لم يعد مجبراً على قول «عَجل»، خصوصاً بعد الانتخابات الأخيرة، إذ بدا واضحاً أن أي طائفة لن تتمكن من فرض نفوذها على بغداد المتنوعة. هكذا يلخص الناقد السينمائي علاء المفرجي الذي سكنت عائلته عقوداً طويلة في حي كرادة مريم (المنطقة الخضراء اليوم) المتغيرات في المدينة، ويقول: أعتقد أن المدينة ستدافع عن خصوصيتها في النهاية.يمكن الآن ملاحظة بعض الانحسار في التشدد الطائفي والوقوف طويلاً أمام الاسم أو اللهجة لمعرفة المذهب، ولم تعد لافتة المحلات التجارية التي تحمل أسماء عمر والكبيسي والعاني في شارع فيه محلات تحمل أسماء عبد الزهرة وحسنين والساعدي.عزيز عبد الله من العامرية (غرب) يؤكد أن بعض المتشددين ما زالوا يلاحقون السيارات الإيرانية الصنع. ويقول أحرقت قبل أسبوعين 4 سيارات في المنطقة. لكن تاجر السيارات الذي يتعامل مع «الصفوية» كطرفة يشدد على أن معظم زبائن هذه السيارات ذات اللون الأصفر من المناطق السنية.ويردد وتعابير وجهه جادة «صفوية أو عثمانية سيان... الناس تريد أن تعيش».