هل اطلع أحد مسؤولي وزارة الداخلية اللبنانية، أو أحد مسؤولي الأمن العام اللبناني على صفحة حسن رابح الفايسبوكية. حسن رابح الشاب السوري الفلسطيني والفنان، الذي انتحر في شارع الحمرا البيروتي، هو نفسه ترك صفحته مفتوحة ولم يغلقها، ووجه رسالة الى كل من يعرفه بمن فيهم عائلته وأخته التي علمت بخبر موته كما غيرها، وعاتبته على صفحته نفسها. لم يغلق حسن رابح صفحته الفايسبوكية قبل أن ينتحر، ربما لم يخطر الموضوع بباله، ومن المحتمل أنه تركها تتكلم عنه مع بوست أقرب للرسالة لأصدقائه وعائلته، والصفحة، قامت بمهمتها، فاستقبلت مئات من الزائرين، قرأوا آخر ما كتبه حسن ابن ال25 سنة، وترك بعضهم على «بوستاتها» مشاعر من الحزن على صاحبها، وكثر منهم نشروا آخر رقصة للفنان الشاب التي أهداها لكل الأصدقاء والبعيدين. إنه عزاء الشخص بنفسه، وإن كان العزاء لدى السوريين المسلمين عادة يقترن بآيات قرآنية بصوت عال يصل لبيوت الحارة كلها. السوريون أنفسهم نسوا تلك العادة، ولم يعد من بيوت عزاء مفتوحة، ولكن حسن ترك بيته مفتوحاً، وبلا أهل يأخذون العزاء. بقيت صفحته موجودة وروحه هائمة فيها ببوسته الأخير، بقرار واضح وبإعلان اعترافاته على الملأ ومواقفه في وجه متسببي الكآبة التي وصل إليها. هل سمع أحد مسؤولي وزارة الداخلية اللبنانية، أو أحد مسؤولي الأمن العام اللبناني بأن حسن لم يستطع الحصول على إقامة قانونية في لبنان منذ نحو سنة ونصف سنة ؟ وهل اهتم أحد منهم بسوري وسوريين يعيشون بلا أوراق نظامية في لبنان، فيتم استغلالهم والتحرش بهم واعتقالهم في أي لحظة يقررها أي حاجز. هل من مسؤول يستمع للاجئ سوري في لبنان، هل من وزير ينظر بعيني أمه فيرى فيها بضع أمهات سوريات في لبنان، هل من حكومة تقرأ تقارير المنظمات العالمية عن أوضاع السوريين في لبنان، هل من داخلية وأمن عام وشؤون اجتماعية وثقافة تعطي بعض الوقت لقراءة تقرير «هيومن رايتس ووتش» الذي أصدرته في 12 كانون الثاني (يناير) 2016 بعنوان «كيف تسهل شروط الإقامة في لبنان الإساءة ضد اللاجئين السوريين». وإن كان العنوان يتكلم عن نفسه، ولكننا سندخل في بعض تفاصيل حياة السوريين الذي كان حسن قبل أيام واحداً منهم، علماً أن حسن ليس أول السوريين المنتحرين في لبنان، وربما لن يكون الأخير، ولتتحول حياة السوري الهارب من نار الأسد لما يشبه الجحيم، ولتنتهي حياته إما انتحاراً أو موتاً على قارعة الطريق، وفي أحسن الأحوال عاملاً بلا أوراق قانونية وجد نفسه في عنق زجاجة الرعب، فلا بلد يستقبله ولا حكومة تقبل به مواطناً لاجئاً يحظى بالحد الأدنى من حقوق اللاجئين المتفق عليها عالمياً. «هيومن رايتس ووتش» قالت نقلاً عن عمال الإغاثة الدوليين والمحليين الذين يساعدون اللاجئين: «إن القواعد الجديدة أدت إلى فقدان الكثيرين الصفة القانونية في العام الماضي». وأضاف التقرير أن 2 فقط من أصل 40 لاجئ يعيشون في لبنان، استطاعت «هيومن رايتس ووتش» نفسها تجديد إقاماتهم اعتماداً على وثائقهم الصادرة عن مفوضية اللاجئين، واستطاع 2 آخران تجديد إقامتيهما بنجاح من خلال كفيليهما، بعد أن رُفض التجديد اعتماداً على وثائق مفوضية اللاجئين. وللتذكير فإنه وبحسب المنظمة أيضاً وكما معروف، فإن انتهاء الإقامة يؤدي لتعرض اللاجئين لخطر الاعتقال، و «إذا اعتُقلوا يتعرضون إلى خطر سوء المعاملة أثناء الاحتجاز، ويتعرض اللاجئون في مناطق سكنهم إلى مداهمات أمنية في شكل متكرر ويعتقل أصحاب الوضع غير القانوني عند نقاط التفتيش منذ آب 2014». حسن رباح شاب وليس فتاة، وربما لو كان فتاة لانتحر باكراً، ذلك إن الكثير من السوريات يتعرضن، بسبب عدم قانونية وضعهن، للتحرش والاستغلال الجنسي، وعدم قدرتهن على اللجوء للأمن والشرطة، والكلام لتقرير «هيومن رايتس ووتش» أيضاً، إذ قالت 5 نساء سوريات ل «هيومن رايتس ووتش» إن الكفلاء أو أرباب العمل تحرشوا بهن أو حاولوا استغلالهن جنسياً ولكنهن لم يستطعن مواجهتهم خوفاً من فقدان الإقامة. تفيد تقارير مفوضية اللاجئين بأن 70 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، وما يقرب من 90 في المئة منهم عالقون في حلقة مفرغة من الديون، وفق تقويم حديث للأمم المتحدة. لن ندخل بتفاصيل تقرير «هيومن رايتس ووتش»، ولا استعراض الشهادات التي وثقتها المنظمة، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يثار فيها موضوع اللاجئين السوريين والخطر الذي يعيشون فيه على مدار الساعة في لبنان، والعذاب النفسي الذي يعانونه ويبدو أن الحكومة اللبنانية ستحافظ على هذا العذاب إلى أجل غير مسمى. حسن شاب بعمر ال25، نعاه أصدقاؤه، وصاحب المطعم الذي اعتاد على الأكل لديه، وأخته، وزملاء قدامى. فنان موهوب، يرقص بروحه التي فقدها عندما غرق في هدوء الكآبة واليأس. حسن رباح راقص وفنان وشاب، فاز مع فرقة «سيما» بالجائزة الأولى في مسابقة «أرابز غوت تالنت»، ولكنه حرم من السفر مع الفرقة بسبب جنسيته. ولم ينجح في الحصول على أي تأشيرة أخرى وبالتالي حرم من الانتساب إلى فرقة «كارافان» للرقص لأنه يحمل الجنسية السورية أيضاً، ولا نتحدث هنا عن حسن فقط، وإنما نتحدث عن مليون حسن. * صحافية سورية