قابل إيان ماكيوان جدية موضوعه في «شمسي» باستخدام الكوميديا، على أنه تجنّب عمداً اتخاذ موقف حازم من تغير البيئة مفضلاً التزام الجانب الإنساني. قال الكاتب البريطاني إن قلة الروايات عن خطر تغير المناخ تدهشه لأن هذا بدأ يؤثر في حياتنا، ونتائجه ضخمة على المستويين الفردي والجغرافي - السياسي. استعدّ لروايته الصادرة عن دار جوناثان كيب ببحث عميق ورحلة الى جزيرة نروجية في القطب الشمالي دعي اليها مع مجموعة من العلماء والكتاب والفنانين. تبدأ أحداث الرواية في مطلع الألفية الثالثة وتنتهي في عام 2009، وتسجّل بداية انهيار بطلها المخادع الهاجس باستثمار اسمه الى ما لا نهاية. نال مايكل بيرد جائزة نوبل للفيزياء عن عمله على نظرية أينشتاين عن الضوء، وربما نالها لأن الأكاديمية السويدية شعرت بأنه آن الأوان لتفوز بريطانيا بها، أو لأنها أخطأت بالاسم. توقف عن العمل الفعلي في اختصاصه منذ مدة طويلة، غير أنه استفاد من الجائزة بتعيينه في لجان ومناصب فعلية وشرفية في بريطانيا وخارجها. راق للحكومة العمالية أن تبدو مهتمة بمخاطر تغير المناخ فأنشأت مركزاً للبحث كلفته رئاسته تأثراً ب «غبار ستوكهولم السحري». في الوقت الذي فرح بزيادة مدخوله اكتشف خيانة زوجته الشابة الجميلة، وخبر فجأة أحاسيس قوية غير متوقعة من الخزي والشوق والذل. كان من الرجال الصلع القصيري القامة، البدينين، الأذكياء غالباً الذين جذبوا نساء جميلات اعتقد بعضهن أنه عبقري في حاجة الى إنقاذ. رأت باتريس رسائل زميلة التقاها في مؤتمر فنقلت أغراضها فوراً الى غرفة الضيوف، وبدأت خلال أيام علاقة مع عامل البناء الذي جدّد منزلهما. رغب بها كما لم يرغب بامرأة من قبل، وهاجمه الشعور كأنه وجع معدة. في المرة الأولى التي تركت له رسالة تقول إنها ستمضي الليل عند رودني تسمّر أمام التلفزيون خمس ساعات بملابسه ومعطفه، وشرب زجاجتين من النبيذ، وحاول ألا يفكر لكنه فشل. قارن نفسه برودني القوي الأصغر بعقدين، الطويل القامة، وهو ينظر الى جسده العاري في مرآة الحمام. ما الذي حعله يعتقد أن مركزه وجائزته تكفيان لبقاء ابنة الرابعة والثلاثين في سرير رجل بدين في الثالثة والخمسين؟ قال أصدقاؤه إنها تشبه مارلين مونرو، وفكر فيها وهو وحده ومع الآخرين، متحدثاً ومحاضراً. «انتشر غيابها في شفق الصيف مثل نار الحديقة الاحتفالية» وأصابه فقدانها بالأرق وقرحة الفم والتهاب الجفنين وغشاوة النظر. كانت تعلم أنه أقام إحدى عشرة علاقة في خمس سنوات، واعترف أنه يستحق عذابه الى أن شفي دفعة واحدة من شوقه اليها. رأى كدمة تحت عينها اليمنى وأدرك أن رودني يضربها. قصد منزله ليؤدبه لكن الشاب لكمه بقوة وخلّصه تماماً من رغبته بباتريس. لم يكن العلم وسيلة لخدمة البشرية لدى بيرد الذي سخر من ترداد الآخرين إن الكوكب في خطر، وإن المدن الساحلية ستطمر تحت الأمواج. «كان هناك رنين من العهد القديم شاب التحذيرات (...) للإيمان ان المرء عاش دوماً آخر أيامه، وان نهايته ارتبطت بإلحاح بنهاية العالم فاكتسبت بذلك معنى أكبر». أغدقت الحكومة مئات آلاف الجنيهات على مركز الأبحاث لتطوير مشروع استخدام طواحين الهواء وخفض فواتير الكهرباء. لم يبدُ على أي من علمائه الشبان العشرينيين أي شعور بالرهبة من بيرد، واستفزوه بحماسهم لعملهم ومعرفتهم الأوسع وعملياتهم الحسابية المعقدة التي لم يفهمها. يحاول توم ألدوس، أحدهم، التقرب منه لتغيير اتجاه البحث، ويؤكد أن الريح ليست قوية ما يكفي لتوليد الطاقة وأن الطواحين مضيعة للوقت. الشمس وحدها مصدر الطاقة الجديد، والمستقبل للكهرباء والهيدروجين النظيفين. لكن مشروع الطواحين كان قطع شوطاً كبيراً وشكّل أساس عمل بيرد الذي بدأ يكره الشاب وتنوع شخصيته من ممارسة المصارعة والتجذيف وقراءة الروايات وحلوله سابعاً في ماراثون سان فرنسيسكو، وتحويله الطاقة في سيارته الى الكهرباء على رغم ضرورة تعبئة البطارية كل ثلاثين ميلاً. حياته في المقابل كانت ضحلة وصغيرة. توقف منذ أكثر من عقد عن لعب كرة المضرب، وعجز عن لمس أصابع قدميه لبدانته المطردة. عادت ذكريات حداثته المهينة عندما دعي الى القطب الشمالي مع مجموعة من العلماء والفنانين والكتاب ليشاهد عن قرب الخطر على الكوكب. سبقه الجميع الى التحرك، وعلموا برنامج كل يوم مسبقاً وتدبروا أمورهم أفضل منه. لكنه وجد طريقاً الى قلوبهم حين ادعى أنه صاحب فكرة الطواحين التي ستخفض تكلفة الكهرباء بنسبة خمس وثمانين في المئة. عندما عاد من رحلته القطبية كان توم ألدوس مستلقياً على الكنبة وهو يرتدي رداء بيرد للحمام، فأدرك أن باتريس تخونه معه. تعثر الشاب بالسجادة أثناء شجارهما، وصدم رأسه بحافة الطاولة ومات. ذهل بيرد وفكر أن لا أحد سيصدّق أنه حادث، وتدبّر الأمر ليبدو جريمة قتل ارتكبها رودني. نجحت خطته على رغم تهافتها البوليسي، وسجن رودني، وانفصل بيرد عن زوجته قائلاً إنها حرمت البلاد أحد علمائها الواعدين. استولى على عمل الزميل الراحل على الطاقة الكهربائية وهو مقتنع بأنه يكرّمه، وكلّف إنشاء مشروع طاقة شمسي في تكساس، على أن البيئة لم تعنِ له سوى البروز والثروة. كره العلماء القلائل الذين رجحوا هبوط حرارة الأرض، وطمأن شريكه توبي الى أن وضع الكوكب كارثي وأن «المستقبل وصل». تزداد حياته الخاصة اضطراباً في المقابل. عادت البقعة القاتمة على يده بعد إزالتها وباتت سرطانية، وقاربت زيادة وزنه ثلاثين كيلوغراماً وهدّدت قلبه. صديقته ميليسا الأصغر منه بنحو عقدين كانت عاشقة كاملة الأوصاف، أحبته وآمنت بأنها تستطيع أن تغيره وتجعله نزيهاً ومحباً مع أنها رأته في أسوأ حالاته. لكنها فاجأته بحملها منه وإن أكدت أنها لا تطلب الزواج أو المساعدة المالية. لم يكن وغداً كاملاً، وأحس بأنها توبخه بقناعتها. قبلت حتى بثلاثية في الفراش جمعت اليهما لينوشكا، مساعدتها في محل ملابس الرقص الذي تملكه، وطبخت ونظمت أموره الخاصة والمهنية. لكنه كان مكتفياً بذاته، منغمساً فيها، ولم يعد يشعر بالشوق الى امرأة مذ لهث مثل كلب خلف آخر زوجاته. انتقل من شقته القذرة، الفوضوية الى منزل ميليسا الجميل، واعترف بابنتهما كاتريونا، لكنه صادق في الوقت نفسه نادلة أميركية جذبته سوقيتها، ووافق في لحظة حميمة على الزواج بها. يخرج رودني من السجن ويقصد موقع المشروع الشمسي في تكساس قبل يوم واحد من افتتاحه أمام ممثلي الإعلام الدولي. يقول إنه امتنع عن الدفاع عن نفسه في المحكمة حباً لباتريس التي رأى أنها أحبته وحده وقتلت توم لتتخلص من ملاحقته. يطلب وظيفة من بيرد في مشروعه، ويرد على رفضه بتدمير الألواح الشمسية والعمل مع المحامي الأميركي الذي يتولى مقاضاته لسرقة براءة علمية ابتكرها ألدوس. تصل ميليسا فجأة الى تكساس مع طفلتهما قائلة إنه لهما. كانت كل من المرأتين على علم بوجود الأخرى في حياته، وقررتا المواجهة للاحتفاظ به. هل ورث خلل العلاقات من والدته التي اتخذت سبعة عشر عشيقاً في إحدى عشرة سنة؟ اعتذرت منه قبيل وفاتها في أول خمسيناتها بسرطان الصدر، فلم يقل إن عليها الاعتذار الى والده الذي قاتل في الحرب العالمية الأولى، ووفر البحبوحة للأسرة من العمل مصرفياً ثم محامياً. قبل الأب بزواج من دون حب كأنه كان يدفع ثمناً ما، وبكى بصمت بعد وفاتها في حين لم يحس الابن بشيء. فتن بأولى زوجاته الخمس ميزي عندما التقاها في جامعة أكسفورد حيث درست الأدب الإنكليزي ودرس هو الفيزياء. اشتهرت بأنها «فتاة قذرة» وقابل صدّها بمطالعة أعمال جون ملتون الذي أحبته. تلا لها من شعره فبكت، وانهارت مقاومتها عندما أهداها نسخة قديمة من كتابه «أريوغيتيكا» تعود الى عام 1738. نامت معه فكرة لقبها الذي عنى أنها كانت ملكاً عاماً، وإن برهنت انها كانت أكثر جرأة وانطلاقاً وكرماً واختباراً في الفراش من أية فتاة أخرى عرفها. لم يعرف والده بالزواج إلا بعد الطلاق. حين أخبرته أنها ستتركه أحس بالفرح والارتياح والخفة كأنه كان على وشك التحرر من أغطية السرير والارتطام بالسقف. سالت دموع الامتنان على وجنتيه، فظنته حزيناً وأكّدت أنها لن تخضع للابتزاز. كان قادراً دائماً على جعل الآخرين يعتقدون أنهم في المركز الأقوى، ونال ما يريده، لكن ها هي حياته تطبق عليه في الثانية والستين وهو يستعد لمجد أميركي غامر. ينهي ماكيوان الرواية بكلمة تقديم لبيرد في حفلة الأكاديمية السويدية التي منحته جائزة نوبل كأنه يعدّ بطله لنهاية مخزية تعارض التكريم المطلق الذي أنار حياته يوماً. لكن الرواية تخلو من عنصر الشفقة الذي يستحقه البطل التقليدي، وقد يكون ماكيوان بنى الشخصية على هذا النحو لا كخيار أدبي فقط بل انتقاماً من العلماء الذين التقاهم في القطب الشمالي وتصرف بعضهم كأنهم أنصاف آلهة.