يبدو أن وسائل الإعلام الإيرانية فقدت توازنها نتيجة للضغوط السياسية والاقتصادية الكبيرة والمستمرة من الغرب على النظام الإيراني، إذ تحاول الخروج من حصارها المتأزم مع الغرب عن طريق افتعال أزمات وهمية في الشرق وخلق مشروع فتنة بين السُنة والشيعة العرب لاستخدامهم كبش فداء، مثلما فعلت في اليمن والعراق ولبنان ثم تنوي تصدير الفتنة الى السعودية ومصر، فقد أصبح إعلام النظام الايراني يصدر ردود أفعال نتيجة تعرضه للضغوط لفترات طويلة، ما أفقده حسن التقدير، الى الدرجة التي اصبحت إيران تبدأ مناورات عسكرية كلما نطق أي سياسي غربي ببنت شفة تجاة ايران أو برنامجها النووي، وقد أدى هذا الى إرهاق قوتها العسكرية وزاد من عزلتها الدولية. فعلى رغم أن مصادر سعودية مطلعة صرحت اكثر من مرة على ان إيران بلد إسلامي جار للمملكة يرتبط معها بعلاقات الدين والتاريخ، وأن الخلاف معها سياسي بالدرجة الأولى، إلا أن وسائل الإعلام الايرانية أطلقت حملة عنصرية جديدة، كرد فعل غير متزن كالعادة من جانب إيران على خبر مدسوس في مجلة «لوفيغارو» الفرنسية «ربما بإيعاز منها» على العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فحواه «أن دولتين في المنطقة لا تستحقان الوجود هما إسرائيل وإيران»، ومن العجيب المحزن وعلى فرض صحة الخبر الوارد في الصحيفة الفرنسية، فإن إسرائيل لم يصدر عنها أي رد فعل على ما نشرته مجلة «لوفيغارو» الفرنسية حتى كتابة هذه السطور، على رغم ذكر اسمها أولاً في ما نسب الى العاهل السعودي، بينما شمرت على الفور وسائل الإعلام الإيرانية الفارسية عن ساعد العنصرية والكراهية للعرب وللسعودية، وقد صدق رب العالمين حين قال (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ). وقد بدأ حملة الكراهية الإعلامية موقع «تابناك» التابع لسكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام الجنرال محسن رضائي، والمعروف بعدائه للعرب من دون أن يتأكد من صحة ما نشرته «لوفيغارو»، إذ اشتملت آخر الهجمات الإعلامية الإيرانية على معانٍ عنصرية وقومية وطائفية معادية للعرب عموماً، وللسعودية خصوصاً، عندما زعم هذا الموقع ان «المملكة العربية السعودية تنظر إلى إيران الآخر الذي من خلاله تعرف نفسها»، ومن سخريات القدر العجيبة ان ينشر الموقع الايراني هذه الجملة على رغم أن أهم القواميس الإيرانية والذي تم كتابته في النصف الأول من القرن الماضي والمعروفة باسم «دهخدا»، يعرف الشخص الفارسي من خلال جعل العربي نقيضاً له، فيقول إن «الفارسي هو من ليس عربياً»، ولهذا صدق في الايرانيين القول العربي «رمتني بدائها وانسلت»، ولم تكتفِ هذه الحملة الإعلامية الإيرانية بالتطاول على المملكة بل تعدتها الى لغة عنصرية معادية للعرب جميعاً، إذ قامت بعض المواقع الايرانية باستخدام أبيات شعرية لشاعر الكراهية الفارسي فردوسي في ذم العرب الفاتحين لإيران عندما يقول: «بلغ الأمر بالعرب بعد شرب حليب النوق وأكل الضبا أن صاروا يتمنون تاج كسرى، تف عليك أيها الفلك الدوار تف!» كنت أود لو بقي الخلاف بيننا وبينهم سياسياً بحتاً «جزر الإمارت، تزييف تاريخ الخليج العربي، وغيرهما»، لكن بعد تطاول وسائل الإعلام الايرانية على العرب وعرضهم رسماً لصورة غير لائقة لأجدادنا العرب الفاتحين، وجب علينا الرد بالقول لكل عنصري كاره للعرب ولمن ينسج على منواله في ايران وفي أي مكان، نعم نحن العرب ولا فخر، ولم نتمنَ تاج كسرى فحسب، بل أخذناه عنوة فموتوا بغيظكم، وإن عدتم عدنا. يذكر أنه على رغم التسرع الإعلامي الإيراني المعروف بالرعونة، بادرت السعودية بحكمتها المعهودة وردود أفعالها الموزونة، إلى إصدار بيان على لسان مسؤول رسمي نفى فيه ما نشرته الصحيفة الفرنسية حول حديث الملك عبدالله، مشيراً إلى أنّ مواقف المملكة واضحة ومعلنة من دون مواربة، داعياً في الوقت نفسه الصحيفة إلى الحفاظ على صدقيتها ونفي الخبر. وعلى رغم ان الشاه رضا بهلوي كان «أصدر مرسوماً في نهاية 1936، يقضي بمنع استخدام كلمة فارس نهائيًا في المعاملات الرسمية، واستبدل بها كلمة إيران»، إلا أن إيران تُصر على مخالفة حتى قوانينها، إضافة الى مخالفتها الحقائق التاريخية والجغرافية، وتتجاهل ان الساحل العربي الممتد على الخليج أطول من نظيره الإيراني، وأن سبع دول عربية تقع على امتداد ساحل الخليج في مقابل دولة فارسية واحدة هي إيران، وحتى على الضفة الشرقية من الخليج العربي نجد أن الأهواز ولنجة «عربستان» هي شواطئ عربية تسكنها قبائل عربية. وقد وصلت «البارانويا» الإيرانية ومحاولة «فرسنة» الخليج العربي الى درجة وصف لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني قول خالد مشعل «المقرب من إيران» في إحدى كلماته مصطلح «الخليج العربي» بدلاً من «الخليج الفارسي» بأنه خطأ «لا يغتفر» وطالب باعتذاره، ولهذا يخطئ من يعتقد أن الخلاف حول تسميات الخليج ليس بالامر المهم، فالنظام الإيراني يتوهم ان تغير الاسماء سيمنحه حق السيطرة الشرعية على المزيد من الأراضي العربية كي تلحق بجزر الامارات الثلاث المحتلة «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى» وبمنطقة عربستان، ويتبع النظام الايراني في هذا سياسة اسرائيل عندما استبدلت بأسماء المدن والبلدات الفلسطينية أسماء عبرية مقاربة للاسم العربي الأصلي، فإذا كانت «عسقلان» الفلسطينية «تعبرت» إلى «أشكلون»، فإن جزيرة «قيس» العربية «تفرست» إلى «كيش». وسائل الإعلام الإيرانية لم تفقد توازنها فقط بل تتعامل مع الامور بازدواجية عجيبة. ويتضح هذا في تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية، رامين مهمانبرست منذ أسابيع قائلاً: «ننصح المسؤولين في الإمارات والدول الأخرى الجارة والشقيقة والصديقة بأن يتوخوا الدقة اللازمة في اختيارهم للألفاظ والعبارات»، ونحن بدورنا ننصح المسؤولين في موقع «تابناك» وفي وسائل الإعلام الايرانية بأن يتوخوا الدقة اللازمة في اختيارهم للألفاظ والعبارات، عملاً بقول شاعرنا العربي: لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم ابدأ بنفسك وانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم باحث وكاتب عربي - الولاياتالمتحدة الأميركية www.elmozainy.com