قدمت لجنة جبران الوطنية كتاب «اقلب الصفحة يا فتى» في مؤتمر صحافي عقدته في قصر الأونيسكو برعاية وزير الثقافة اللبناني سليم وردة وحضوره. والكتاب يضم مخطوطات لجبران ورسوماً لم تنشر سابقاً وصدر في سياق الاحتفال ب «بيروت عاصمة عالمية للكتاب». وتحدّث في المؤتمر الوزير وردة ورئيس لجنة جبران الوطنية طارق شدياق والكاتب انطوان الخوري طوق والزميل عبده وازن والناقد التشكيلي سيزار نمّور. ومما جاء في مداخلة الزميل وازن: «ان صفحات جبران هذه أو مسوداته غير المنشورة تفاجئ القارئ أحياناً بآراء جريئة لجبران ومواقف لم تكن متوقعة. هل مَن جرؤ سابقاً وقال عن المتنبي: «لولا سيف الدولة لما عرفنا شيئاً عنه»؟ لا أعتقد أن ناقداً بلغ به تطرّفه مثل هذا الشأو ليسقط عن المتنبي، أسطورة الشعر العربي، هالته شبه المقدّسة، التي كان المعرّي أحد الذين ألقوها عليه في ما سمّاه «معجز أحمد». وفي مقطوعات أخرى نكتشف الكثير من البذور التي نبتت لاحقاً وأورقت وآتت ثمارها، كأن يصف جبران نفسه في رسالة الى والده ب «العشبة الغربية» أو كأن يقول في مقطوعة: «عندما كنت شجرة». هذه العبارات وسواها – وما أكثرها – تحمل في صميمها الرؤيا الجبرانية الى الكون والكائن والخالق والى وحدة الوجود والصوفية والعرفان أو الغنوصية وسائر المبادئ التي قال بها. وعطفاً على هذه الناحية تتبدى في هذه النصوص والشذرات المعالم الأولى لما يُسمى المدرسة الجبرانية في اللغة والأسلوب وقد قال جهاراً «لكم لغتكم ولي لغتي». وأجمل ما قال في هذا الصدد هجاؤه للفصاحة واصفاً إياها ب «الكذب الأسود المكلّس بالكلّس الأبيض». وهذا ما يذكر بهجاء النفري للبلاغة في نصوصه الصوفية. أما ما يلفت كثيراً فهو وعي جبران الباكر بخيبة النموذج اللبناني أو لأقل الفكرة اللبنانية، التي دفعته لاحقاً الى القول: «لكم لبنانكم ولي لبناني». لكنه هنا في إحدى مقطوعاته يمضي في السخرية المرّة حتى ليقول: «لبنان يتمخّض بثورة مذهبية ومن يعش ير. لبنان البلد الصغير، الهادئ الآن، سيكون مسرحاً لمجزرة هائلة يذبح فيها المسلم المسيحي والمسيحي الدرزي. وسوف يذبح المسيحي أخاه المسيحي. ومَن يعش ير». لن أقول ان جبران تنبّأ هنا في ما كتب، فهو كان على بيّنة من تاريخ لبنان وظروفه المعقّدة وتناقضاته، لكنه عرف كيف يحك هذا الجرح اللبناني المزمن منحازاً الى لبنانه الخاص، لبنانه المتوهم أو المتخيل، هذا اللبنان الذي أضحيت شخصياً أنتمي اليه بعدما سقطت في نظري فكرة لبنان الواقعي، لبنان المتعدّد، لبنان الحقيقة. وكم كانت جميلة فعلاً فكرة لبنان لكنها من فرط جمالها غدت مستحيلة لا سيما بعد ما حصل من حروب ومجازر رهيبة. أعتقد أن صدور هذا الكتاب سيكون فرصة للاحتفال بجبران. ومن عادة اللبنانيين ألا يفوّتوا فرصة للاحتفال بكاتبهم الكبير الذي حمل اسم لبنان الى العالم، ولو كان معظمهم يتجاهل ما قاله بقسوة عندما أعلن جملته الشهيرة «لكم لبنانكم ولي لبناني». قلة قليلة من اللبنانيين تعلمت من جبران التسامح والانفتاح والمحبة والحوار ونبذ الطائفية، لكنهم جميعاً يتباهون به، لا سيما أبناء جلدته وقد فاتهم ان مسيحيته تختلف كل الاختلاف عن مسيحيتهم بعدما خرج على الطائفة والعشيرة...»