الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    أمير حائل يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أميرًا للمنطقة    نائب أمير منطقة جازان يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير المنطقة    جامعة الملك عبد العزيز تطلق مبادرة لتطوير مهارات الطلاب والطالبات في مجال الذكاء الاصطناعي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط    أعراض غير نمطية لتصلب الشرايين    الأولمبياد الخاص السعودي يختتم المسابقات الوطنية للقوة البدنية والسباحة بالرياض    ماريسكا: جوارديولا بحاجة للدعم    المحسن: الخليج لا يحتاج لإثبات كفاءته المالية لاتحاد اليد    المملكة تشارك ب10 جهات وطنية في معرض القاهرة للكتاب 2025    الدخيل ل«عكاظ»: بطولة «الدرونز» تساهم في جذب الاستثمارات الرياضية    النصر يحضر عرضه الرسمي من أجل دوران    «سلمان للإغاثة» يوزع مستلزمات تعليمية متنوعة لدعم مدارس محو الأمية ومراكز ذوي الإعاقة في اليمن    40 ألف ريال تكاليف ليلة الحناء    نتنياهو: قوات إسرائيل باقية في لبنان لما بعد انتهاء مهلة الانسحاب    الجبير يُشارك في جلسة حوارية في منتدى دافوس بعنوان «حماية البيئة لحفظ الأمن»    ترمب يلغي الحماية الأمنية عن فاوتشي: «ليحمي نفسه»    بوتين: مستعد للتفاوض مع ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا    بدء ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من أمريكا    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي رئيس البرلمان التايلندي    الخطيب : السياحة قوة تحويلية للاقتصاد    السعودية تعلن استضافة اجتماع عالمي دوري للمنتدى الاقتصادي العالمي    الجوف: القبض على شخصين لترويجهما أقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    آل سمره يقدمون شكرهم لأمير نجران على تعازيه في والدهم    القصيبي مسيرة عطاء    القيادة وجدارية المؤسسات    الوقاية الفكرية درع حصين لحماية العقول    قائد الإدارة الجديدة في سوريا يستقبل وزير الخارجية فيصل بن فرحان    من بلاطة متصدعة إلى أزمة بناء.. هل الكفاءة الوطنية هي الحل    عبد العزيز بن سعد يشكر القيادة لتمديد خدمته أميراً لحائل    أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الإساءة إلى جيرانكم وأحسنوا لهم    بعد الهدوء الهش في غزة.. الضفة الغربية على حافة الانفجار    خطيب المسجد الحرام: حسن الظن بالله عبادة عظيمة    إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.4 مليون حبة كبتاجون عبر ميناء جدة الإسلامي    الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أشهر مع ضعف الدولار وعدم وضوح الرسوم    "المركزي الروسي" يخفض سعر صرف الروبل أمام العملات الرئيسية    660 ألف طفل في غزة خارج التعليم    قاضٍ أمريكي يوقف قرار تقييد منح الجنسية بالولادة    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    المشي حافياً في المنزل ضار للقدمين    العمل المكتبي يُبطئ الحركة ويزيد الأرق    عقل غير هادئ.. رحلة في أعماق الألم    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    400 مشارك في جائزة "تمكين الأيتام "    كل التساؤلات تستهدف الهلال!    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    الثنائية تطاردنا    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    تمديد فترة استقبال المشاركات في معسكر الابتكار الإعلامي «Saudi MIB» حتى 1 فبراير 2025    "خالد بن سلطان الفيصل" يشارك في رالي حائل 2025    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    فعالية "اِلتِقاء" تعود بنسختها الثانية لتعزيز التبادل الثقافي بين المملكة والبرازيل    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    ندوة الإرجاف    وصية المؤسس لولي عهده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصولية جيجك وقضية اليسار
نشر في الحياة يوم 23 - 06 - 2016

الفيلسوف السلافي، سلافوج جيجك، هو من أكثر الفلاسفة ظهوراً في وسائل الإعلام. انه أحد نجوم الفلسفة الذين ينتقلون من عاصمة إلى غيرها، ومن محاضرة إلى أخرى، في هذا البلد أو ذاك. وفي الحراك الشعبي الذي شهدته مدينة نيويورك، قبل سنوات، وقف خطيباً، في وول ستريت، يدعم المحتجين ضد سلطة المال ورأس المال.
لكن الشيوعي الأبرز يرتد على نفسه وعلى معلّمه ماركس. ففي مقالة له في مجلة «الفلسفة» (عدد حزيران - يونيو 2016)، يقول جواباً عن السؤال اللينيني: ما العمل؟ «لا أدري. ما يمكنني القيام به هو تحليل الوقائع». ثم يضيف مسوغاً رأيه: إذا اعترض عليّ أحد بالسؤال ما فائدة النظريات إذا لم تفضِ إلى تحسين الأحوال؟ أقول هذه نظرية بورجوازية لا صحة لها، بدليل أن الأعمال ذات الاهداف النظرية هي التي تساهم في تحويل الوعي وتغيير العالم، كما تشهد التجارب التاريخية. ولذا يخلص جيجك إلى القول: علينا «قلب أطروحة ماركس» القائلة بتغيير العالم بدلاً من فهمه، لأن المهمة الآن هي فهمه وتأويله.
هذا ما كان يقوله أحدنا قبل عشرين عاماً، في ضوء انهيار مشاريع التحرّر السياسي والتقدّم الاجتماعي، وخلاصته أن المثقف، العالم أو الفيلسوف، ليس مجرّد مناضل سياسي أو ناشط ميداني، وإنما هو فاعل فكري بالدرجة الأولى، بمعنى انه يفعل ويؤثر بقدر ما يعمل بخصوصيته كمنتج للأفكار الخارقة التي تساهم في تغيير أطر النظر وقواعد العمل. لكن الماركسيين واليساريين، وكانوا يومئذٍ يرفعون شعار المثقّف العضوي، المنخرط في قضايا شعبه وعصره، كانوا يرفضون مثل هذا الرأي ويعتبرونه تعبيراً عن موقف بورجوازي رأسمالي مُعادٍ للتقدّم ولمصالح الجماهير.
حسناً أن يعتبر جيجك أن المهمة الآن هي فهم العالم، بعد أن كان يقول العكس. ولكن، يترتّب على ذلك أن نقرّ بالحقيقة لا أن نقوم بتمويهها، فلا نقول إن مهمة تغيير العالم التي كانت، طوال قرن، مهمة اليسار الماركسي هي مجرّد «رأي بورجوازي مسبق»، وإنما أن يقتنع اليسار بأن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة بالحجّة القاطعة، فيعيد التفكير في تصوراته وخططه وبرامجه لتغيير العالم. واليسار يتقدّم أو يتطور بقدر ما ينجح في تغيير أنماط التفكير وشبكات القراءة وأدوات التحليل في مقاربته الأحداث والمجريات. وإذا كانت الرأسمالية نجحت أو لم تنهزم، فليس لأنها على خطأ ولا لأنها على حق، بل لأنها أتقنت لعبة الخلق والفتح، بقدرتها على تجديد أو تحديث أو تطوير رؤاها وقوالبها ونماذجها واستراتيجياتها.
أما أن نقول اليوم ليس لليسار في مواجهة الرأسمالية المنتصرة سوى ما قاله الكاتب الإسباني أوينامونو لجماعة فرانكو: «قد تنتصرون ولكن لستم على حق»، فإن هذا الموقف يصح بالذات على اليسار الذي ليس هو استثناء. لأنه ليس مرجع الحقيقة أو العدالة، وحده، بين سائر المذاهب والمدارس. فالتجارب أثبتت أن النظام الستاليني ونظام فرانكو وجهان لعملة أصولية واحدة، ترجمت بإقامة أنظمة شمولية على بحور من الدماء، بقدر ما تحكم بأصحابها منطق الاحتكار للحقيقة والسلطة، ومعاداة قيم الديموقراطية والتعدّدية الإيجابية، ونهج الاستئصال لكل مخالف أو معارض.
الأصدق والأجدى، إذا كنّا حقاً مع الفهم والتشخيص للمشكلات، أن نستخلص الدرس، بأن نقوم بمراجعة نقدية للأطروحة الماركسية لتبيان ما تنطوي عليه من وجوه الخداع في ما يخصّ إشكالية الفهم والتغيير.
الوجه الأول للخداع هو الاعتقاد بامتلاك النظرية التي نقبض من خلالها على ماهية الواقع وقوانين التاريخ، بدليل أن العالم قد تغير بخلاف أو بعكس ما تصوّره ماركس والفلاسفة عموماً. والثاني هو أن ماركس ساهم في تغيير العالم، ليس لأنه كان ناشطاً في الساحات والميادين، بل بابتكاراته النظرية والمفهومية التي خلقت المجال لما لا حصر له من الأنظمة والأحزاب والمعسكرات. وفي هذا دليل على أن خطاب ماركس يشهد ضدّه. وهذا شأن الخطاب بعامة. إنه يتعدى مؤلفه بمفاعله وآثاره، إيجاباً أو سلباً. وإذا كانت الماركسية، كعقيدة ومشروع خلاص، قد انهارت بأوهامها الإيديولوجية وتهويماتها النضالية ونماذجها المعيقة للنمو البشري، فما يبقى منها هو الوقائع، أعني نصوص ماركس المفتوحة على تعدّد القراءات والتأويلات.
والثالث إن مفاهيمنا حول الواقع ليست مجرّد تصورات مطابقة لا تحتاج إلا إلى التطبيق. بل إمكاناتها التداولية وطاقتها التحويلية، أي قدرتها على أن تتغير وتساهم في تغيير الواقع. بهذا المعنى نحن نتجاوز ثنائية الفهم والتغيير. لأننا نغير الواقع بقدر ما ننجح في فهمه. كما نتجاوز التناقض بين الهيغلية والماركسية، بقدر ما ننتقل من منطق المطابقة والثبات إلى منطق الخَلْق والتحويل.
ما يقوله جيجك في شأن اليسار يقدم مثالاً على التخبّط المنهجي، الأمر جعله ينتقل من النقيض إلى النقيض، فيلبس لبوس الماركسية ويخلعها ساعة يشاء، لكي ينقذ ماء وجه عقيدته الشيوعية. وتلك هي ثمرة التعلق بالأسماء وعبادة الألفاظ: أن يعزو جيجك تهويمات اليسار النضالية إلى خصومه في العقيدة والسياسة، وبالعكس: أن ينسب إلى اليسار ما ليس له من الأفكار الخصبة والخلاّقة، مثله بذلك مثل الأصولي الإسلامي الذي يسطو على النظريات الفلسفية أو العلمية لنسبتها إلى الإسلام والقرآن. مثل هذه العقلية هي التي آلت باليسار الى مآلاته البائسة.
إن النقد الفعال لا يقوم على التبرير الإيديولوجي، وإنما يشتغل صاحبه بإعادة النظر في قناعاته الأساسية لا في تحييدها. ومن هذا شأنه يضع المشاريع والأنظمة والمنظومات، الأيديولوجية والسياسية، على مشرحة التحليل، في ضوء الإخفاقات والتراجعات، يميناً ويساراً، لبناء قناعات جديدة وابتكار عدة فكرية مغايرة، بمناهجها ومحاورها ومفاهيمها وصيغها، بحيث يفكر ويعمل بصورة مستقلة، حرة. شعاره أن لا يستعبده اسم أو أصل ولا يستعمله مذهب أو نموذج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.