جلس الصحافي التركي المعروف روهشان شاكر في استوديو متواضع استأجره في منطقة صناعية في إسطنبول، يحاور أمام كاميرا صغيرة تبثّ على الإنترنت، ضيفه الصحافي المخضرم فهمي كورو حول أحوال الديموقراطية في البلاد. وبعد الحوار استذكرا كيف كانا ضيفين دائمين في غالبية الفضائيات، حيث الإمكانات التكنولوجية المتقدمة، والاهتمام الإعلامي، قبل أن يفقدا عمليهما في صحيفة «خبر ترك» وتصدر «تعليمات عليا» بمنع استضافتهما في أي فضائية، بسبب تعليقاتهما المناهضة لسياسة الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان. وأسّس كورو موقعاً إلكترونياً ينشر من خلاله مقالاته، بعد رفض الصحف نشرها، فيما نجح شاكر في تأسيس قناة إخبارية متواضعة على الإنترنت، بفضل تطبيق «بيريسكوب» لأشرطة الفيديو المباشرة عبر موقع «تويتر». ويسجّل كورو لقاءات وتحليلات، وضمّ إليه متطوعين، علماً أن نجاح فكرته دفع الاتحاد الأوروبي إلى دعمه مالياً، كما أن صحافيين مطرودين من عملهم، علّقوا آمالاً عليه وعلى العمل في مشروعه، من أجل تأمين دخل يقيهم العوز. أما سعاد الذي تحفّظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، وهو إعلامي عمِل في شبكات إخبارية رسمية وخاصة، فلا يبدو أفضل حالاً، إذ فقد عمله بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، ومُنِع من الإنتاج الخاص وحتى من بيع برامج لشبكات تلفزة، على رغم أنه ليس معارضاً قوياً ولا يكتب مقالات. لكن وضعه خاص، إذ أنه علوي، وهناك حالات كثيرة مشابهة لوضعه في مؤسسات رسمية مهمة. ويؤكد سعاد وصحافيون آخرون أن إشاعة بأن صحافياً فقد عمله بتعليمات من جهات «عليا»، تكفي لتُسَدّ في وجهه كل الأبواب، وترفض كل المؤسسات الإعلامية الكبرى إعطاءه فرصة عمل، إذ تحرص على عدم إغضاب تلك الجهات. ويلفت فهمي كورو، خلال حواره مع روهشان شاكر، إلى تقرير مفاجئ أصدره الاتحاد الأوروبي مطلع الأسبوع، أفاد بتراجع مستوى الديموقراطية وحرية الرأي في تركيا إلى المعدّل الذي سبق بدء أنقرة مفاوضات العضوية عام 2004، أي بالتزامن مع تسلّم حزب «العدالة والتنمية» الحكم. وأجرى كورو مقارنة مع نزعة أنقرة الآن لأداء دور إقليمي قوي، من خلال نشر قواعد عسكرية في المنطقة ومحاولتها مصالحة دول مجاورة مجدداً، منبهاً إلى أن «القائمين على الأمر لم يدركوا أن نجم تركيا لا يمكن أن يلمع مجدداً في المنطقة، من خلال القواعد العسكرية وعلاقات حسن الجوار فحسب، من دون تعزيز الديموقراطية داخلياً، كما حدث أثناء فترة 2004 - 2008». ويعلّق مشاهد عبر الإنترنت معتبراً أن «أردوغان لا يريد أن يرتكب الخطأ الذي وقعت فيه المؤسسة العسكرية عام 2004، حين وافقت على تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ففقدت سلطاتها بسبب اتساع رقعة الديموقراطية». وزاد: «لا عجب أن ينأى أردوغان الآن عن الاتحاد، إذ يذكّره دوماً بأهمية حريات الصحافة والرأي والتعبير». في غضون ذلك، تظاهر عشرات في إسطنبول أمس، احتجاجاً على توقيف ممثل منظمة «مراسلون بلا حدود» في تركيا إرول أوندرأوغلو والصحافي أحمد نيسين والأكاديمية شيبنم كورور فنجانجي، رئيسة منظمة حقوق الإنسان في تركيا. واتهمت محكمة في إسطنبول الثلاثة بممارسة «دعاية إرهابية»، بعدما أشرفوا في أيار (مايو) الماضي على تحرير صحيفة «أوزغور غونديم» المؤيدة للأكراد، تضامناً معها إذ تواجه تحقيقات ودعاوى قضائية.