كما أن من بين الإسلاميين من ارتدى قبعة التشدد وراح يعبث بالأرض فساداً، لا أحد ينكر أن هناك عدداً محدوداً من الصحافيين حاد عن جادة الصواب، والمحصلة أن انحراف صحافي أهون بكثير من استحلال دم الأبرياء والأملاك العامة، وذلك لأن الصحافي المنحرف – إن وجد – يكتب مقالاً منحرفاً، لكنه لا يفجر نفسه في الأبرياء من الأطفال ورجال الأمن، وبحكم أنني أمضيت في مهنة الصحافة ثلثي عمري، أكاد، أجزم أن غالبية الصحافيين السعوديين، هم في الواقع وطنيون وشرفاء، وليسوا جنوداً للشيطان كما وصفهم الشيخ عبدالرحمن البراك – أمد الله في عمره -. باستثناء الشيخ محمد العريفي، لم نر شيخاً سعودياً أو طالب علم، زار جنودنا وهم يواجهون المتسللين المسلحين، ليرفع من معنوياتهم، ويحاضر بهم عن أهمية الذود عن حدود الوطن. كما لم نر أياً من رجال الدين وهو يتحدث إلى النازحين عن أهمية الصبر في مواجهة المحن والنوازل، لكنا في المقابل رأينا صحافيين يتسلقون الجبال ليلتقطوا صوراً لجنودنا البواسل وينقلون بطولاتهم وأخبارهم إلى العالم. قرأنا لكتاب استلوا أقلامهم وراحوا يفندون مزاعم الخصم. سمعنا محللين تسلحوا بالمنطق والحجة وراحوا يشرحون للعالم عبر الفضائيات، كيف فرض الحوثيون الحرب على بلد السلام والإسلام. إن اتهام الشيخ عبدالرحمن البراك للصحافيين بأنهم جنود للشيطان، اتهام مردود، فهو قبل غيره، يعلم من هم الذين سلموا عقولهم لشياطين الأنس قبل شياطين الجن، وهو قبل غيره أيضاَ، يعلم من هم الذين يسعون إلى اختزال الوطن بفتوى متطرفة ويعملون على زعزعة الوحدة الوطنية، مرة بالتخوين وأخرى بالخروج على الملة. منذ أن بدأت في الكتابة الأسبوعية المنتظمة في هذه الصحيفة، أخذت عهداً على نفسي ألا أكتب في الشأن الديني ولا اتطرق إلى علمائنا الأفاضل، ليس لأن لحومهم مسمومة، بل لأنني لا أريد أن أركب الموجة وأصبح كاتباً جدلياً أولاً، وثانياً لأنني أدرك أن الكتابة في هذا المجال لا تضيف للوطن شيئاً، فهي مجرد مماحكات ومحاولات لإثبات وجود، إن لم أقل مصالح، بين طرفين كلاهما يسعى لقيادة المجتمع بهدف تقويض سلطة الدولة. سبق وأن أفتى الشيخ البراك بكفر زملاء لنا، بعضهم يستطيع أن يحاججه بعلمه، ولم انبس ببنت قلم، كما انه أفتى قبل أسابيع بتكفير من استحل الاختلاط، وهو أمر أصبح ضرورة لمن لا يعيش بصومعة، ولم أبدي رأياً في ذلك، لكن يبدو انه قد بلغ السيل الزبى. وصف المتحدث باسم وزارة الإعلام الزميل عبدالرحمن الهزاع ما قاله الشيخ عبدالرحمن البراك بحق الصحافيين بأنه «قذف»، لكنه استدرك وقال: «إن وزارته معنية بمتابعة وتطبيق نظام المطبوعات والنشر ونظام المؤسسات الصحافية، وهذه القضية (قضية قذف الصحافيين من الشيخ البراك). لا تندرج ضمن النظام»، وهو ما يعني تملص الوزارة من حماية الصحافيين، علماً بأن الدرس الذي قذف فيه الشيخ عبدالرحمن الصحافيين ووصفهم فيه بأنهم جنود للشيطان، مسجل على شريط وربما على قرص ممغنط، واعتقد أن الأشرطة والأقراص الممغنطة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من وسائل الإعلام، بل في صلب عملها. لست هنا لأطلب من وزارة الإعلام حماية الصحافيين من الفتاوى العشوائية، فهي لا تفعل ذلك، لكن وبما أن مسؤولاً في الوزارة أقر بأن ما قام به الشيخ عبدالرحمن البراك «قذف» بحق الصحافيين، فأنني أطالب هيئة الصحافيين، مع الإقرار مسبقاً بأنها لن تفعل، بإقامة دعوى قذف ضد الشيخ عبدالرحمن البراك، فهو وصفنا – من دون استثناء – بأننا جنود للشيطان، بينما معظمنا يرى في ذاته جندياً للوطن، وأن مهمته تتعدى حدود الجدل الاجتماعي للتصدي للمؤامرات التي تحاك ضد الأمة، بينما هناك من يراقب إن لم أقل، يشارك في تلك المؤامرات لنسف مكتسباتنا الوطنية.