لا شيء يقلل من حرارة الصيف في سورية، كما تفعله نزهات السوريين البسيطة حول مدنهم وداخلها، منتظرين ما يُروِّح عن نفوسهم. فهم مثلاً يُداوِمون منذ 37 سنة على زيارة معرض الزهور الدولي، بالحماسة نفسها، وبكثافة الزحف ذاتها نحو حديقة تشرين في دمشق. وقد تطورت الفرجة التقليدية التي تتبع مثل هذا الحدث مع إقحام المنظمين جوانب ثقافية، بطريقة أو بأخرى، مستفيدين من الزحام، لإقامة ندوة علمية أو فعاليات ترفيهية أو فنية، فهذا العام، قدمت فرقة مسرح الطفل عرض «اللغز» إلى جانب الزهور، وأردفته فرقة أدونيا برقصات فلكلورية، ورسمت لوحة طولها 50 متراً بألوان الإكريليك، في ورشة نشاطات الطفل التفاعلية. لا تتجاوز المهرجانات والمعارض السورية كونها أحداثاً آنية تحمل إلى الحضور متعة عابرة، إلا تلك التي تتركّز الجهود لإنجاحها في دورة ما، معتمدةً على موازنة وافرة. وفي صيف 2010، ثمة مواعيد ثابتة للمهرجانات، كموعد مدينة اللاذقية مع مهرجان المحبة في (8 آب/ أغسطس)، أو مهرجان طريق الحرير المتأخر نسبياً إلى الخريف في الأسبوع الأول من تشرين الأول (أكتوبر). وتعيش المحافظات السورية فعاليات شبيهة بالكرنفال العائلي، ففي التاسع من الشهر الجاري انطلق مهرجان إدلب للفنون الشعبية برعاية وزارة الثقافة، الذي تقيمه مديريتها للمسارح والموسيقى، وتضمّن معارض بسيطة للكتاب والصورة الضوئية والتشكيل، ويمتد حتى الخامس عشر من الشهر الجاري، وتتنوّع فعالياته بين الاحتفاء بالسياحة وبين التراث، في حين تحييه فرقٌ غير معروفة مثل فرقة شباب إدلب، وفرقة توتول من محافظة الرقة. وحظي أهالي إدلب هذا العام بفرصة لرؤية فيلم وثائقي عن دورات المهرجان السابقة! وفي التاريخ السابق نفسه (9 تموز/ يوليو) احتفلت مدينة حلب ومديرية ثقافتها مع فرع اتحاد الكتاب العرب فيها والنادي الفلسطيني، بذكرى الأديب غسان كنفاني، من خلال مهرجان فني، عُرِض فيه الفيلم الوثائقي «أسطورة العشق الفلسطيني»، وهذا الاحتفال يقارب مهرجانات مماثلة تُقام لكنفاني في مختلف مناطق سورية سنوياً. وترعى وزارة الثقافة بعض المهرجانات الرسمية والأهلية، ومن ذلك مهرجان جبلة الثقافي الذي تُقام دورته السادسة في 15 الجاري بإشراف «جمعية عاديات جبلة»، كما تهتم الوزارة ببعض الملتقيات الأهلية، وتدعمها مالياً كالدورة الثالثة من ملتقى السويداء للنحت في موقع تل جنجلة الأثري، ولا يُكْتَفى في مثل هذه الملتقيات بالنشاط التقني للنحاتين بل يتعداه إلى مظاهر ترفيهية وسياحية، ورحلات تعريفية بالمواقع الأثرية. كما خُصِّصَ يومٌ للطائرات الورقية في الموقع الأثري، وتمكن أطفال مدينة السويداء من التفاعل بعضهم مع بعض من خلال ورشة عمل ل 90 طفلاً على مدى أيام الملتقى. وفي مدينة اللاذقية الآن، تقيم جمعية أسرة مسرح الطفل مهرجان «فرح الطفل» المسرحي، وتقتصر عروضه على ثلاث مسرحيات للصغار هي: «ليلة خطف الدجاجة»، «فلة والقط أبو جزمة»، «جحا والملك زعفران»، إضافة إلى تظاهرة لرسومات الأطفال، ومسابقة في الفصاحة والخطابة لتعزيز اللغة العربية، وحملة لترشيد استهلاك المياه. وتنوي وزارة الثقافة السورية افتتاح معرض الكتاب الدولي في مدينة المعارض في 8 تشرين الأول، كما تتأهَّب لدورة جديدة من مهرجان دمشق المسرحي، في كانون الثاني (يناير) المقبل. ويستمر في قلعة دمشق مهرجان الجاز ذو التنظيم الخاص، متجهاً إلى مدينة حلب بحفلة واحدة تُقدّمها فرقة «أم أس في بريخت» الألمانية، ومُرَكِّزاً على التعريف بفرق الجاز العالمية من ألمانيا والنرويج والدنمارك وهولندا وسويسرا، والتعريف بالموسيقيين وفرق الجاز المحلية (أوركسترا الجاز السورية، وفرقة لينا شماميان، وفرقة طنجرة ضغط...)، وتقيم دورة هذا العام ورشات عمل موسيقية بالتعاون مع المعهد العالي للموسيقى في دمشق. وأطلق مهرجان «موسيقى على الطريق» الذي اقتحم خطوات العابرين في دمشق أيام الجمعة، برنامجاً خاصاً به هو «رحلة بصرية»، يخلط بين الموسيقى والفنون البصرية المتنوعة. ولعل مهرجان «السنديان» الثقافي في قرية الملاجة بطرطوس هو نموذج مثالي لشكل المهرجان الأهلي الثقافي الأمثل في سورية، فهو يبدأ في 25 الجاري بورشات عمل في التشكيل والشعر، متفرداً بعد خمسة عشر عاماً من تأسيسه، ومحاولاً كسب دعم إضافي من المهتمين لإنجاحه. ولا يبدو أن المهرجان يواجه أي صعوبات عدا المالية، إذ يدين منذ عامه الماضي لبعض الجهات الراعية بمبلغ 300 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل نحو ستة آلاف دولار أميركي، وعلى رغم أن وزارة الثقافة زادت دعمها لدورته المقبلة (الرابعة عشرة)، فان ما تقدمه الوزارة غير كاف لإنعاش طاقته الكبيرة المتمثّلة في استضافة أهم الأسماء الثقافية من البلدان العربية والعالم. ويقيم المهرجان ورشَتَي الشّعر والتشكيل للمرّة الثانية، ويشارك في التشكيل من سورية: يوسف عبدلكي، إدوار شهدا، بهرام حاجو، حمود شنتوت، غسان نعنع، علي مقوص، منير شعراني، عتاب حريب؛ ومن الأردن محمد العامري؛ ومن العراق سيروان باران. ومن الشعراء المشاركين: منصف الوهايبي من تونس، خزعل الماجدي من العراق، طه عدنان من المغرب، أحمد العجمي من البحرين، علي النقري من اليمن، جيهان عمر وعاطف عزيز من مصر، غسان علم الدين من لبنان، جولان حاجي من سورية. ويقيم مهرجان السنديان ندوة في نهاية الملتقى حول علاقة الشعر بالتشكيل، إضافة إلى حفلتين، إحداهما لفرقة حوار، والأخرى لعازف الكمان العراقي النمسوي دلشاد سعيد، وترى القائمة على المهرجان الشاعرة رشا عمران أن «الحركة الأهلية هي الوحيدة القادرة على صناعة حالة ثقافية مهرجانية»، مُشيرةً إلى أنّ «من حقّ كلّ قرية ومدينة في سورية أن يكون لها مهرجانها الخاص». ودعت إلى تدويل الفعاليات باستضافة مشاركين من الوطن العربي والعالم من دون الركون إلى أسماء محلية فقط.