أثار إطلاق معتقلين من أبناء القبائل في سيناء بعد اتفاق «عُرفي» بين وزارة الداخلية وشيوخ القبائل، انتقادات في أوساط مصرية اعتبرته يمثّل «إخفاقاً» للتعديلات التي أقرها البرلمان على قانون الطوارئ في أيار (مايو) الماضي والتي اقتصر بموجبها تطبيق الطوارئ على قضايا الإرهاب والمخدرات. وكان منتظراً أن يتم إطلاق المعتقلين في غير قضايا الإرهاب والمخدرات مع بداية شهر حزيران (يونيو) الماضي - بحسب ما أكد رئيس مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) الدكتور أحمد فتحي سرور - لكن ذلك لم يحصل بعد. وتشهد منطقة وسط سيناء حالياً هدوءاً حذراً بعد مواجهات بين مجموعة من المطلوبين أمنياً وبين الشرطة استدعت عقد لقاء بين وزير الداخلية حبيب العادلي ومجموعة من مشايخ القبائل في سيناء لاحتواء التوتر الذي نشب على خلفية شن قوات الأمن عمليات دهم في عدد من القرى الواقعة على طريق منفذ العوجة، لاعتقال أشخاص فارين من تنفيذ أحكام قضائية صادرة في حقهم. وطلب شيوخ القبائل خلال اللقاء الإفراج عن المعتقلين من أبناء سيناء، وهو ما بدأ تنفيذه بالفعل، إذ تم إطلاق 29 معتقلاً على دفعات مع وعد بالاستمرار في إطلاق دفعات متتالية. وقال أحد أعيان قبائل سيناء عبدالمنعم الرفاعي، عضو المجلس المحلي في الشيخ زويد، إن أغلب من تم الإفراج عنهم حتى الآن هم من الذين اعتقلوا من فترات قريبة، أما من قضوا سنة أو سنتين في المعتقل فلم يتم الإفراج عن أي منهم حتى الآن. وأضاف ل «الحياة» أن غالبية الموقوفين من أبناء سيناء «اعتقلوا بتهم التحريض على الاعتصام أو بسبب الاشتباه في عملهم في توصيل البضائع إلى أهل غزة عبر الأنفاق»، مشيراً إلى أن أهل المعتقلين انتظروا الإفراج عن أبنائهم مع تنفيذ تعديلات قانون الطوارئ ولكن هذا لم يحدث. وأوضح أن وزير الداخلية تعهد إطلاق عدد كبير من المعتقلين، باستثناء عشرات تحتاج ملفاتهم إلى مزيد من الفحص. وقال: «نحن في انتظار تنفيذ هذا الوعد، ولا مشكلة في بقاء 40 أو 50 شخصاً رهن الاعتقال إلى حين تسوية أمرهم». وطالب بإطلاق «الغالبية التي اعتقلت بسبب الأنفاق مع غزة أو اعتصامات البدو لأن هذه الاعتقالات سياسية». وكان رئيس البرلمان أحمد فتحي سرور قال إن «أي معتقل سياسي بموجب قانون الطوارئ سيُعد مفرجاً عنه مع دخول القانون الجديد حيّز التطبيق مطلع شهر حزيران (يونيو) لأن القرار الجمهوري (بتعديل قانون الطوارئ) وصف الحالات التي يُطبّق فيها القانون وأنا مسؤول عن هذا التفسير القانوني»، مؤكداً أنه تلقى تعهداً حكومياً واضحاً بالتزام هذا التفسير. واعتبر نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور نبيل عبدالفتاح أن إطلاق المعتقلين وفقاً لاتفاقات عُرفية بين الأمن وشيوخ القبائل دليل على «إخفاق تعديلات قانون الطوارئ». وقال ل «الحياة» إن «الاستراتيجيات التقليدية التي تنتهجها أجهزة الدولة سواء السياسية أو الأمنية من عقد تفاهمات مع قيادات القبائل في سيناء لاحتواء المشكلات، لها بعض الأخطاء، إذ إنها تعيد انتاج أبنية القوة التقليدية للقوانين العرفية التي قد تختلف في جوهرها مع القانون الحديث». وأضاف: «بعض المسؤولين يغلّب القوانين العرفية على قانون الدولة، وهذا خطأ سياسي فادح (...) الإفراج عن بعض معتقلي أبناء سيناء في هذا الشكل يؤكد أن بعضهم لم يرتكب جرائم أصلاً وأُخذ بجريرة آخرين أو أن هذا البعض ارتكب جرائم واضطرت الدولة لإطلاقه تحت ضغوط القبائل، وهذا أمر بالغ الخطورة». وأوضح أن المشكلة تتمثل في غياب حزمة من السياسات التي تتعامل مع سيناء على أساس دمجها في التنمية ومنح سكانها حقوقهم كاملة في التمثيل السياسي وتولي المناصب القيادية. وطالب بالإفراج عمن لم يرتكبوا جرائم، في إطار القانون وليس وفقاً لاتفاق عرفي، مشيراً خصوصاً إلى مثقفي أبناء سيناء وعلى رأسهم مسعد أبو فجر الذي طالب بإعمال حقوق المواطنة للمواطن السيناوي وأصدر القضاء المصري نحو 20 حكماً بالإفراج عنه لكنها بقيت من دون تنفيذ. وقال: «يجب تشجيع هذا الجيل من المثقفين على لعب دور مهم في ربط أبناء القبائل بالوطن». واستنكرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان استثناء المدوّن السيناوي مسعد أبو فجر الذي اعتقل في عام 2007، من قائمة المفرج عنهم حتى الآن. وذكرت بأن العديد من الاحكام القضائية قضت بالإفراج عنه، «إلا أن هذا لم يغيّر في الأمر شيئاً، إذ ظلت وزارة الداخلية تواجه الأحكام القضائية بالاعتراضات وقرارات جديدة للاعتقال لإبقاء المدون داخل السجن». وقالت الشبكة في بيان: «لم يتوقف تعسف الحكومة المصرية في اعتقال أبو فجر عند حد مخالفة أحكام القضاء واعتقاله بموجب قانون الطوارئ فحسب، بل إنه وبعد تعديل الحالات التي يطبق فيها قانون الطوارئ وقصره على حالات الاتجار بالمخدرات والإرهاب فقط، وعدت الحكومة المصرية ببدء الإفراج عن المعتقلين كافة بموجب قانون الطوارئ في غير حالات الإرهاب والمخدرات في أول حزيران (يونيو) 2010. وعلى رغم مرور ما يزيد على شهر، لا يزال سجناء الرأي داخل السجون المصرية حتى الآن».