منذ نحو أسبوعين أُعلِنت «حال الاستنفار» في منزل أم جاد. سمعت ب «وباء» أنفلونزا الخنازير في وسائل الإعلام، وخبرتها في الاحتياط من أنفلوانزا الطيور جعلتها تتأقلم بسرعة مع «المصيبة» الجديدة. لكن ذلك لم يمنع ارتسام معالم الرعب على وجهها الممتلئ، فالأخبار الوافدة من أصقاع الأرض تزرع الشكوك لديها في كل لقمة تدخل معدتها أو معدة أولادها وزوجها. في البداية كانت معلومات أم جاد عن الفيروس الجديد ضئيلة، وفي غالبيتها مجرد «خبريات» تتناقلها الألسن على شكل اشاعات «مرعبة» توحي وكأن نهاية العالم اقتربت... ولاحقاً توضحت الصورة أكثر، إن بمتابعتها الشخصية لآخر أخبار «الفيروس الخنزيري»، أو بالطلب من ابنها جاد تزويدها بمعلومات أكثر دقة و «موضوعية» عبر مواقع الانترنت. لم تتمكن ربة المنزل من تخزين كل «المادة الإخبارية» الكثيفة التي تلقفتها خصوصاً في شقها العلمي البحت، فأجرت غربلة ذاتية كان نتيجتها رصد مؤشرين سلبيين: لا لقاح حالياً للفيروس في تركيبته الجديدة المتطورة عن انفلونزا الطيور، والفيروس ينتقل من إنسان مصاب الى آخر. تناست أم جاد أو أسقطت من اعتباراتها، أن وزارة الصحة في لبنان أكدت خلو البلد من أي إصابة بالمرض وأصدرت قراراً منعت بموجبه استيراد الخنازير الحيّة ومنتجاتها باستثناء اللحوم المعلبة والمصنعة المعالجة حرارياً. توقفت بتمعن عند ما يمكن أن يهدد «مصير» عائلتها في أي وقت، وأبقت في ذهنها ما سبق أن سمعته مباشرة على شاشات التلفزة، بأن تطور المرض قد يتراجع قليلاً في أنحاء العالم، ليعود ويضرب بقوة لا سابق لها... وعلى هذا الأساس، رفعت أم جاد درجة التأهب الى الدرجة القصوى، ووجدت في الحي حيث تسكن من يسايرها في خطتها «الدفاعية»، وإن اعترفت بأنها تخطت بأشواط الاجراءات الإحترازية التي اتخذتها جاراتها وبقية أفراد عائلتها. لم تكن العائلة أصلاً من محبي أكل لحم الخنازير، وبالتالي لم يكن على أم الأربعة أولاد فعل الكثير حيال هذه المسألة داخل مطبخها أو السوبر ماركت... لكنها تجاوزت في «احتياطاتها» المطلوب منها بدرجات، فقد أفرغت ثلاجتها من كل أنواع اللحوم والدجاج، واستبدلت بها بعض المنتجات البحرية، وتخلصت من المعلبات المصنّعة، وأدخلت «فتوى» جديدة الى المنزل: كل مشتقات الحيوانات ممنوعة، والبديل الخضر والسمك... حتى إشعار آخر. تقول أم جاد: «بحسب ما فهمت، كانت هناك مخاوف من تطور أنفلونزا الطيور، أو ظهور فيروس أخطر. وهذا ما حصل»، وتتساءل: «ما المانع في أن نصبح «نباتيين» حتى يزول الخطر؟». لا يوافق بقية أفراد العائلة أم جاد في مخاوفها «الزائدة عن حدها». وبعبارة لا تخلو من السخرية يقول ابنها كميل (16 عاماً): «الفيروس بعيد عنا، بعد لبنان عن المكسيك... وإذا أصرّت على حرماننا من أكل اللحوم والدجاج في المنزل، فسنضطر الى تكثيف إقبالنا على المطاعم». تفاوتت الآراء داخل العائلة الواحدة، أكثرها تطرفاً كانت تلك التي تعمّمها أم جاد «بعد شهر تقريباً سيأتي السياح من كل أنحاء العالم الى لبنان، وطبعاً سيكون هناك وافدون من الدول التي سجّلت إصابات فيها. هذا يعني أننا سنقضي الصيفية في البيت!». ليس بعيداً كثيراً من الشارع الذي تقطن فيه عائلة أم جاد، تتعاطى عائلة سمعان بكل واقعية مع الوباء العالمي، ووفق «الأدبيات» اللبنانية المعتمدة عادة ازاء كوارث من هذا النوع لا شيء تغيّر في يوميات العائلة المقتنعة بأن المرض لا يزال في المقلب الآخر من العالم، وأن إجراءات وزارة الصحة كفيلة بمنع حصول اختراقات لمصابين بالمرض عبر مطار بيروت الدولي، وخصوصاً بعد إعلان الوزارة إتلاف كل الشحنات التي دخلت الى لبنان، من كل البلدان التي أعلنت وزارة الصحة العالمية أو المنظمات الدولية، وجود إصابات فيها بمرض «أنفلوانزا الخنازير». واقتناع العائلة «العلمي» بأن الإصابة تنتقل من إنسان الى آخر وليس عبر منتجات لحم الخنازير، سهّل لها مهمة التكيف مع أخبار المرض، الذي حذّرت أكثر من منظمة عالمية من إمكان تحوله الى وباء عالمي. انه الصيف والشتاء تحت سقف انفوانزا الخنازير، ف «استراتيجية» عائلة سمعان في التعاطي مع «أخبار الفيروس»، تشبه كثيراً حالات اللامبالاة التي سيطرت لدى الكثير من العائلات اللبنانية حيال «الضيف الثقيل» الذي اقتحم بعض عواصم العالم. والبرهان أن مستوى إقبال المستهلكين على شراء اللحوم على أنواعها لم يشهد سوى انخفاض طفيف، لا يتناسب حجمه مع حجم مشهد الذعر في الخارج. يقول انطوان (57 عاماً): «لا شيء تغيّر في نمط استهلاكنا اليومي خصوصاً بالنسبة الى اللحوم، وارتفاع عدد الإصابات في بعض الدول وحتى في الولاياتالمتحدة الأميركية لا يعني أن الخطر أصبح داهماً». ووفق «نظرية» رب العائلة «أن هناك سياسة عالمية تدفع أحياناً باتجاه «تكبير حجر» بعض الأمراض في العالم، فقط لكي يتم استهلاك مخزون بعض الأدوية في المستودعات قبل انتهاء صلاحيتها...».