لا داعي لأن يجول الموفد الدولي الى نزاع الصحراء كريستوفر روس على عواصم الدول الأعضاء في المجلس الدولي، إن لم يكن في جعبته شيء يريد استمزاج الرأي حوله. إنه يعرف أن ما هو مطروح على طاولة المفاوضات العالقة لم يقد الى اتفاق حيال المرجعية التي ينبغي اعتمادها أساساً للتفاوض، مع أن هناك قناعة تفيد بترجيح اقتراح على الآخر. كذلك فإنه يدرك جيداً أن إطار المفاوضات لا يمكن أن يحيد عن قرارات مجلس الأمن، وتحديداً تلك التي تحض الأطراف المعنية على الانفتاح والتعاون مع بعضها ومع المجتمع الدولي لإحراز التقدم الذي يكفل البدء في تنفيذ التسوية السلمية. كون روس استطاع خلال جولتين غير رسميتين في المفاوضات أن يجعل الأطراف المعنية تستنفد كل جهودها في الدفاع عن طروحات متباينة في المنطلقات والأهداف، فإن ذلك يعتبر في حد ذاته تطوراً إيجابياً، بخاصة لدى دفعه المغرب الى عرض أسباب رفضه العودة الى خطة الاستفتاء التي أصبحت متجاوزة ثم حض «بوليساريو» على شرح أسباب عدم قبولها خطة الحكم الذاتي التي وصفتها قرارات مجلس الأمن بالصدقية والجدية والواقعية. وما بين ضفتي هذا التحول الديبلوماسي الذي يسجل للموفد روس ساد التوجه نحو إشراك الطرفين غير المباشرين الجزائر وموريتانيا في الإدلاء بتصوراتهما حول أفضل الصيغ الممكنة للخروج من المأزق. ذلك أنها المرة الأولى التي تدعو فيها القرارات الدولية ذات الصلة الى تعاون دول الجوار مع جهود الأممالمتحدة لإنجاح مساعيها في إنهاء التوتر. من غير المتعارف عليه في تحركات تسعى لإحياء وتيرة المفاوضات ان يكون الموفد الدولي عمد الى اختيار وجهات نظر دولية بدل العودة الى مساحة المنطقة المعنية التي لم يكن غريباً عن قوانينها وحساباتها. فقد كان سابقوه يستأنسون بالتوقف أمام محطتي مدريد وباريس، باعتبارهما الأقرب الى تفهم حقيقة ما يدور في المنطقة من صراعات. غير أن روس أضاف الى العاصمتين نبرات اقتراحية جديدة، قد تساعده في استكمال الصورة. ليس مستبعداً أن تكون جولته تلويحاً بنفاد صبر المجتمع الدولي حيال التلكؤ في تنفيذ قرارات واضحة، لم تعد قابلة لأي تأويل، غير التزام تنفيذها أو الإعلان صراحة عن رفضها. كما ليس مستبعداً أن تكون تحمل في طياتها توجهاً جديداً لدفع الأطراف المعنية الى إبداء التعاون المطلوب. وما حدث منذ القرار 1920 أن المسافة بدأت تضيق أمام معاودة انتاج المقولات والمواقف السابقة نفسها. وفيما ساد ارتياح إزاء مضمون الوصفة الجديدة التي لا تزيد عن وضع هوامش تشرح القرارات السابقة، كان لافتاً التصعيد الذي صدر عن جبهة «بوليساريو» واتهامها بعض العواصمالغربية المتنفذة بالتحيز الى المغرب، أو التهديد بحمل السلاح أوالتشكيك في مرجعية الأممالمتحدة، ذلك أنه في أوج احتدام الصراع لم يقبل أي طرف في مجلس الأمن والأممالمتحدة بالعودة الى نقطة الصفر. بكل الحسابات والمقاييس ما من طرف يرغب في رؤية الحرائق تشتعل في منطقة الشمال الأفريقي. والأكيد هذه المرة أن الرباط حين تردد علناً أن مشكلتها في ملف الصحراء قائمة مع الجزائر، فإن ذلك يعني أن أي انفلات عسكري لن يقتصر على مقاتلي «بوليساريو» في مواجهة القوات المغربية، تماماً كما أن إغراق المنطقة في سباق التسلح ينبئ بأخطار متبقية في حال استمرار نزاع الصحراء من دون حل. وإذا كان صحيحاً أن دول المنطقة تعايشت وتداعيات ذلك النزاع بقوة الإذعان للأمر الواقع، فإن الصحيح أيضاً أن التعايش على إيقاع المعارك الديبلوماسية يبقى مقبولاً، لكنه يصبح مستحيلاً حين يجرى الحديث بلغة أخرى أكثر عنفاً. لم يحدث منذ اندلاع الصحراء الذي طال أمده لأكثر من 35 سنة أن ساد توجه دولي، تكاد تتطابق فيه وجهات النظر إزاء إقرار حل سياسي للقضية، بل إن موسكو التي كانت مواقفها تقاس بميزان الذهب حيال الميل الأيديولوجي الذي تحكم بإدارة الصراع لفترة طويلة، اصبحت بدورها تدعم جهود التسوية السلمية. لن يكون عسيراً استخلاص ما يسعى إليه الموفد الدولي كريستوفر روس في جولته الدولية، لكن من الصعب حقاً الإقرار بأن القناعات نفسها التي تحرك المجتمع الدولي فرضت سطوتها على الأطراف المعنية التي ما زال بعضها يعيش على وهم سرعان ما يزداد بعداً. ولعل ملف الصحراء في طريقه لأن يستنفد الأسباب التي أدت الى ظهوره، لكن من دون رسوخ الاعتقاد أنه يمكن وضعه في الخلف، بكل سهولة.