لم يكن الرئيس الرواندي جوفينال هبياريمانا الذي قتل في السادس من نيسان (أبريل) 1994 بإسقاط طائرته، الضحية الوحيدة في رواندا في ذلك العام المشؤوم، بل لحقه آلاف الضحايا ومعظمهم من إتنية التوتسي الذين قضوا على يد جنود وميليشيات من الهوتو، في عمليات قتل جماعية شكّلت إحدى أفظع الإبادات في القرن العشرين. ولا يزال مقتل هبياريمانا، وهو من الهوتو، يشكل لغزاً للمحققين المحليين والدوليين، فرغم أن الاعتقاد السائد الذي لم يتأكّد بشكل قاطع بعد، يشير إلى أن طائرته أسقطت، لم يتم حتى الآن تحديد الجهة التي أمرت بذلك. ففي السادس من نيسان (أبريل) 1996، تحطمت طائرة هبياريمانا بإطلاق صاروخ عليها في طريق عودتها من دار السلام في تنزانيا، وكان الرئيس الرواندي برفقة رئيس بوروندي سيبريان نتارياميرا وطاقم ضم ثلاثة فرنسيين وسبعة مسؤولين روانديين وبورونديين. وكانت المجموعة عائدة من محادثات سلام بين حكومة هبياريمانا ومتمردي الجبهة الوطنية الرواندية، وهي ميليشيا ضمت منفيين من التوتسي ممن نجوا من التطهير العرقي الذي قامت به حكومة الهوتو في منتصف القرن. وكان الجانبان يخوضان حرباً أهلية منذ تشرين الأول (أكتوبر) 1990 حين اجتاحت الجبهة شمال رواندا من أوغندا. وعندما وصلت الحرب إلى طريق مسدود، بدأ الجانبان مفاوضات سلام في أيار (مايو) 1992، أدت إلى توقيع اتفاقات أروشا في آب (أغسطس) 1993، والتي بموجبها تم تأسيس حكومة سلطة مشتركة. وتحوم معظم الشبهات في اغتيال الرئيس الرواندي حول "الجبهة الوطنية الرواندية" أو الهوتو المتشددين المعارضين للمفاوضات مع الجبهة الوطنية الرواندية. وتعتقد الحكومة الحالية التي يسيطر عليها التوتسي، والعديد من المؤرخين المستقلين أن أعضاء رفيعي المستوى في الحكومة التي يهيمن عليها الهوتو تآمروا لقتل هبياريمانا وذلك لإثارة مجازر جماعية ضد التوتسي. وهذه الفرضية لا تزال أساس شرعية الحكومة الحالية. وخلص التحقيق الذي أجرته الحكومة الرواندية في كانون الثاني (يناير) 2010، إلى أن المتشددين من الهوتو في الحكومة الرواندية ضالعون في العملية. واتهم التحقيق الذي جرى بطلب من الرئيس الحالي بول كاغامي، عناصر في القوات المسلحة الرواندية بإطلاق صواريخ أرض جو على الطائرة الخاصة التي كانت تقل هبياريمانا. وجاءت النتيجة مطابقة لنتيجة تحقيق أجراه فريق قضائي فرنسي خلص في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، إلى مسؤولية المتطرفين الهوتو عن اغتيال الرئيس السابق وهي نتائج رحبت بها حكومة رواندا. وكان قاض فرنسي اتهم عام 2006 النخبة الحاكمة في رواندا بينهم كاغامي، بالتواطؤ في عملية إسقاط الطائرة وهو ما قاد رواندا إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع فرنسا. واعتقل على إثر ذلك عدد من أعضاء الحكومة بتهم التآمر لاغتيال. غير أن الفريق القضائي الفرنسي برّأ كاغامي من تدبير اغتيال هبياريمانا، وقد زار الفريق موقع سقوط الطائرة لتحديد مصدر الصاروخ الذي استخدم في اسقاطها. وأشار التقرير الذي قدمه الفريق الفرنسي الى ان الصاروخ الذي اسقط الطائرة اطلق من مسافة كيلومتر عندما كانت الطائرة تستعد للهبوط في مطار كيغالي، وكانت المنطقة المحيطة بالمطار تحت سيطرة وحدات من الحرس الجمهوري التي تمثل نخبة الجيش. واستبعد التقرير أن تكون القوات الموالية لكاغامي قد وصلت الى تلك المنطقة واسقطت الطائرة. ولكن التقرير الرواندي الذي صدر عام 2010، اتهم فرنسا بالعمل مع الحكومة السابقة التي كان يسيطر عليها الهوتو، خلال الحرب الأهلية. وقدم الكثير من التفاصيل حول علاقات فرنسا بالحكومة عام 1994، بينها التأكيد بأن الجنود الفرنسيون كانوا منتشرين قرب الموقع الذي أطلقت منه الصواريخ التي أصابت طائرة الرئيس الراحل. وكانت فرنسا تشارك آنذاك في العملية العسكرية الإنسانية "توركواز" وانتشرجنودها في حزيران (يونيو) 1994 جنوب البلاد. وصحيح أنه تم توثيق دور إسقاط طائرة هبياريمانا في إدخال رواندا في دوامة عنف إتني خلّف أكثر من 800 ألف قتيل من أقلية التوتسي والهوتو المعتدلين، على نحو جيد، إلاّ أن السؤال عن الجهة التي أسقطت طائرته لا يزال معلقاً من دون إجابة كافية وشافية ما يجعل منه لغزاً في هذا البلد الجبلي المكتظ الذي لا يزال يناضل لتكريس مصالحة بين أبنائه أقل ما يقال عنها أنها مستحيلة.